هبوط في منارات البداية - علاء الدين عبد المولى

أفيضي على ضفَّتَيْ جسدي بالورودِ‏
لأسرقَ جوهرة الشّعرِ منكِ‏
أعلّقها فوق صدر نشيدي‏
سأبدأ نومي على عطرِ شَعركِ‏
أغمرُ وجهكِ بين يديَّ‏
أكرّرُ فيكِ المديحَ الّذي كلَّما صغتهُ‏
هبَّ من جانبِ القلبِ طوفانُ سحرٍ جديدِ‏
يُغاوي المراكبَ ترحل فيكِ‏
أيا امرأةً كيفما وجَّهْتْ وجهها تمطرُ الشَّهواتُ‏
أحبّكِ إذ أشتهيكِ‏
أُعيدكِ من ذروةِ الحزنِ نحوكِ‏
أُبعدُ عنكِ اليباسِ الَّذي يتهدَّدُ‏
كَوْنَاً تَخَلَّقَ خلفَ عيونِكِ،‏
سيّدتي، لذَّتي، وأنانيَّتي‏
لستُ من حجرٍ كي أدقَّ مرايا العراءِ‏
أنا حلقاتٌ من النارِ تُمْزَجُ بالماءِ،‏
تشعل صمتَ الهواءِ‏
حبيبُكِ قلبي‏
ويحملُ صوتَكِ واليأسَ،‏
قلبي مدارجُ يصعدُها السَّالكون الَّذين‏
إذا ذُكِرَ الحبُّ سالتْ أصابعهم‏
ذَوْبَ قيثارةٍ هصَرَتْها أكفُّ المساءِ‏
وقلبي لواءٌ على جبلٍ أخضرٍ تتلامَحُ أشجارُهُ‏
كلّما جئتِ باذخةً من بعيدٍ/ قريبِ‏
وقلبي الذي هزَّهُ الوجدُ تحت لحافٍ من الصَّلواتِ‏
يناديكِ ألاَّ تغيبي...‏
على أيِّ سقفٍ سأسندُ داليتي‏
بعد أن أثقلتها مياهُكِ؟‏
يا نبعةً حولها أزرعُ الشّعرَ‏
أحصدُ معنى الحياةِ‏
يسبّحُ داخلَ ناري يتامى ضلوعي‏
ويبتهلون إذا الشّمسُ ما كُوِّرَتْ،‏
واحتمى بسياج الحديقةِ طفلُ الرَّبيعِ‏
ترانيمُ ملءَ الجهاتِ وأنتِ جهاتي‏
يداكِ انتمائي‏
وومضةُ عينيكِ فاتحتي وانتهائي‏
أفيضي على ظمأ الأرضِ يا بارقاتِ السماءِ...‏
وأندلسٌ أنتِ عادَتْ‏
وكنتُ فقدْتُ مداخلَها، ضيَّعتْها القوافلُ والعرباتُ‏
خسرتُ قناطرها وينابيعَها ونقوشاً تبوحُ بها الجامداتُ‏
هروبٌ هو الوقتُ منها‏
وأنهارُها غُلِّقت، وحدائقُها عُلِّقَتْ،‏
عندما احترقَتْ تحت جلدي الحياةُ،‏
ولولا شتاءُ يديكِ‏
حنانُكِ هذا الشَّفيفُ‏
لخلَّدني في ضحاياهُ ذاك الخريفُ‏
وغطَّى دمي بالهشيمِ‏
وأطلقني في رحابِ الجحيمِ‏
أطوفُ...‏
وكم قد تذوقَّتُ طعم جميع النِّهاياتِ منذُ ابتدأتُ‏
فكيفَ إذا ما انتهيتُ؟...‏
وغادرني القمرُ العربيّ الأليفُ‏
وكنت رأيتُ سقوطي المخيفَ‏
تشبَّعتُ من سَفَري في قنوطي‏
فتحتُ لكِ القلبَ حتَّى كأنَّ المدى ظلُّ قلبي‏
وجمّعِتِ مملكةً من عذوبَهْ‏
ونصَّبَتِني في غماماتِها عاشقاً‏
فقرأنا معاً في كتاب الخصوبَهْ‏
لبستِ خواتمِ عطركِ‏
أخفيتِ وجهكِ في الياسمينِ‏
رشَشْتِ عليه غناءً لفيروز، تلكَ الَّتي‏
في شذى قدميها بلادٌ تصلِّي‏
وتحت طراوة مخملِها دفَنَ الكونُ ألغامَهُ،‏
وطوى الموتُ أعلامَهُ‏
وقامت تعلّمنا أن نفتّحَ أبوابنا‏
وندلِّلَ أحبابنا عندما يرحلون‏
فإنْ أمعنوا في الغيابِ‏
قرعنا لهمْ جرساً من عتابِ‏
فلا تأخذي سيرةَ الغائبينْ‏
فبعدكِ لن يأخذ الرّوحَ تاجاً‏
ولن يتناول نبضاً‏
وقد ينزوي خلف شاهدة الميّتينْ..‏
إلى أين نمضي معاً؟‏
إلى حيثُ تمضي القصيدةُ بالكلماتِ الجديدَهْ‏
نعانقُ مستقبلاً من مراكبَ تبحر في اللاّنهايهْ‏
ونجرح ماضيَنا الْهَشَّ، نهبطُ في خطوةٍ من بدايَهْ‏
كثيراً، خسرنا، خسرنا كثيرَاً‏
زهورَ الموائدِ‏
خبزَ اللّقاءاتِ بعدَ المغيبِ‏
مشاويرَ في عتباتِ البنفسجِ‏
قُبْلات ظلّ لظلٍّ‏
صلاةً على مهد أعراس أنثى تزغردُ فيها‏
الولاداتُ‏
لوزاً وتيناً‏
وتفَّاحَ فجرٍ وقهوة عصرٍ وحبّاً كبيرا‏
كثيراً خسرنا، خسرنا كثيراً‏
لماذا نودّعُ هذا الجمال ونغلق في وجهه اللَّيلَ‏
حتَّى يداهمنا الرّعبُ‏
حتَّى نُضاعف فينا القبور‏
أفيضي عليَّ الكنوزَ الدَّفينةَ في باطنِ السِّحرِ،‏
أزرعُكِ الآن في جسدي مخملاً وحريرا‏
وأغزل مشتهياتِكِ بين يديَّ أميرةَ نُبْلٍ‏
تتوّجُ فيَّ أميرا‏
كما يفعلُ العاشقون فعلتُ‏
ولكنني خارجَ السَّربِ كوّنتُ بضعَ حرائقَ‏
أمشي عليها، وأهبطُ فيها طيوراً طيورا‏
كما ينحني العارفون انحنيتُ‏
لنوركِ، لكنّني ما انتهيتُ‏
أطلتُ الوقوفَ أمام فيوضكِ‏
زوّجتُ قلبي لذاكرةٍ تتشكَّلُ من هاهنا وهنا‏
أناديكِ أنتِ/ كأنّي أنادي أنا‏
خذي غربَتَيْنا نساعدُ أشلاءَنا كي تسيرا‏
خذيه حطامي خذيه دماري‏
لأرفعَ فيكِ جداري الأخيرا...‏
______________
10/نيسان/1995‏