الشاعر - علاء الدين عبد المولى

ربيعٌ من الأحزان جَهْراً تقدَّما
وصلىّ على قبر الفؤاد وسلَّما

أبيحُ دمي للشِّعر في كلِّ خلوة
كأنّ نشيدي نابضٌ عِرقُهُ دما

أماناً أيا عَرْشَ القصائدِ، رحمةً
أما آن أن تحنو عليَّ وترحما؟

أرى كلَّ شيءٍ صورةً، كلَّ هدأةٍ
تجادلُ في فردوسِ قلبي جهنَّما

أرى الأرضَ تُغْويني بما هُوَ مُوجعي
وما ليس يَرضى غير روحيَ مأْتما

تيتَّمتُ حتَّى صرت لليُتْم والداً
فيا عالم الأموات يكفي يتيُّماً

أنا ابن الأسى الكونِّي، شابَتْ أصابعي
وكانت على صدر المحّبة أنجما

أضيء بها ليل الفوانيس رافعاً
إلى شاهق الأبعاد من عُنقي سما

سمائيَ ضاقَتْ بالعويل، ولا أرى
سوى جثثٍ تبني بصدري مخيَّما

أحنّ إلى جسر يهرِّبُ ظلمتي
وجسريَ في وادي الضَّباب تهدَّما

أضيع ككلِّ الضَّائعين، وإنما
رأيت ضياعي للكواكب منجما

تضيئهُم شمس المدى، ويضيئني
شعاعٌ يطوف الرّوحَ ينساب مُبْهَما

أرى جبلَ الأحزان يعلو، فأنحني
على حلم مازال في القلب برعما

أنا شاهدٌ حَقٌّ، لكثرة ما أرى
من الوجع الشَّرقيِّ، أحلمُ بالعمى

بصيرتيَ الزَّرقاء بالدَّم لُوِّثت
وغَّر بِها عهرُ الزَّمان لتأثما

ولستُ نبيّاً كي أتوِّجَ حِكْمتي
وإنِّي كشعب الشَّرق، يغزو ليهزما

أحارب وجهي في مرايا قبيلتي
وأتركه مسخاً عربياً، مهشَّما

هي الذَّاتُ تذروها رياحٌ شقيقةٌ
كما السّيف يلهو بالهواء ليُقْسما

سأطويكِ يا أرض الكوارث راكباً
جواداً، ترامى الكونُ يأساً، وما ارتمى

جوادٌ من الأعصاب يبلغُ زادَهُ
وفي دميَ المسفوحِ يختصر الظَّما

تعلَّمني المأساةُ: أفترسُ المدى
وأدعو عليه بالجنون ليَسْلَما

بشهوة خَلْقٍ لا تزال فتيَّةً
أشِّيدُ بُرْجَ العالم المتهدِّما

وأهدمُهُ في لحظةٍ عدميَّةٍ
وهذا هو الخلاَّق: يبني ليهدما

أنا شجرٌ ينمو على الصَّوت والصَّدى
لأجنيَ من زَرْعِ النَّقائض موسما

أنا جذوةُ الأشعار أغلي بنارها
أغنّي ولو سدّ الرّمادُ ليَ الفما...

_________

25/3/1992.