وجهان في مرآة واحدة - علاء الدين عبد المولى

-إلى: عبد القادر الحصني-
(1)
كم كان حراماً ألاّ نُفْتَنَ بالمشتهياتْ
تتدلّى تفّاحاً وقصائدَ من أشجار العذراواتْ
هَبْ أنّك تملكُ في قُدْس الأجسادْ
جوهرةً من ماسٍ،
أفلا تغسلها بالنّور
تهذّبها بأصابعك السِّرِّيةِ؟
أم تتركها لصقيع مكتهلٍ لا تجدُ الأنثى فيه
شمعَ الميلادْ؟
دَعْنا نتشاجَرْ حول صفاء النَّبع،
ومن يَغْلِبُ يقذفْ صاحبَهُ في النبعِ...
... اغلبني
في الثَّلْج تَعَرَّقَ قلبي
وأقمتُ على شرفة ماء النَّارِ
لأتلو ما يتعسَّرُ من جسد امرأةٍ
نهداها في جمر الليل رمادْ
أتلقَّى كلماتٍ أقعُدُ خلف ظلالي كي أفهمها:
أسماءُ جهاتٍ
ورموزٌ ساجدةٌ لرموزٍ
وكؤوسٌ تسكر ممَّا فيها
اشربْ يا وجهي الآخر خذ بيدي
عيناي تدوران بجمجمة اللّيل المتّقدِ
نهرُ اللَّيل طويلْ
منذ الملك الضّلّيلْ
وأنا... هل مثلي أنتَ تخاف
وأنا في حضرة سيدةِ النَّهرِ اللّؤلؤُ والأصدافْ
لقِّنْها أن ترمي مجدافَ الرَّغبة
فالرغبةُ ما كان لها مجدافْ
وأنا كونٌ بحريٌّ يتمطَّى ملءَ الكونِ
ضفافي... كلُّ جنونٍ أبلُغُهُ: تلكَ ضفافْ.
(2)
جئتَ، وكان الفقيرُ غلاماً يسقيني
مِنْ عِلْم الكون الدّائرِ بين عيوني
قشَّرْنا الفستقَ
علَّقنا في سقف الغرفة ذكرى امرأة
وجلسنا نتأملّها
ولشدّة ما حدّقنا فيها بعثرناها
صار الوجه وجوهاً ضيَّعناها
هل يمكن تقبيلُ جموعِ شفاهٍ في شفةٍ واحدة؟
يمكن، حين يفضَّ القدحُ العاشرُ ختمَ الكون
وندخلُ جمعاً فنغادرُ فرداً
والنَّجمةُ حاضرةٌ بلطائفها
تلقي فينا سحر مراياها
-نسرقُها؟
- نسرقها...
- من يبدأ؟
-نسألها...
- يا نجمة يا نجمة
أين النجمة؟ كيف تخبئها عنّي
وأنا كونتُ النجمة منّي
- أنا ما خبأت ولكنّي
صرتُ النجمةَ قبلكْ.
(3)
أجملُ هذا البُعُد فلا تقتربي
هو عالمُ أشباح اللَّهب
أترحَّلُ عنه إلى عالم أرواحٍ تترقرق
حتى أبصرَ فيها قلبي يتنشَّقُ من شجر المسك
عبيرَ امرأةٍ قدماها في الأرضِ ونهداها في السُّحُبِ.
آلمَني مشهدُ عينيكِ وأنتِ تلمّين
بقايا اللَّيل عن الأشياء،
دعي الأشياء مبعثرةً
فوضاها: كنزٌ في الصَّدر له مفتاحٌ
وابتعدي
ودعي جسدي
يدنو منك كما الطّفلُ من الألوانْ
ضيعتُكِ ذاتَ زمان ووجدتُكِ ذات مكانْ
لكنّي الآنْ
مقسومٌ لاثنَيْن، وليس معي الاثنانْ.
(4)
آهٍ آهٍ عبدَ القادرْ
أقدرُ منَّا ليلُ القلق الغامرْ
تُطلقنا النّسوة أحصنةً
نتسابق حول النّور القدّوس
ونسمع تصفيقاً هزليّاً
يتسرّب عبر منافذنا العليا
نبكي موتا قبل نهوض الفجر
نُشرع قلبينا للدُّنيا
فنفاجأ:
كلٌّ ينمو كالطَّفح على جسد الشّعر
سفَكْنا عطرَ دواخلنا في مذبحهن
عبدناهن، فكنَّ تراثَ خضوعٍ للشيَّطانْ
ربيَّنا الأثداءَ وغطَّيناها بمناديل الرَّيحانْ
راحتْ حتى الأثداءُ تسيلُ سمومَ جحيم
تسقي الهاويةَ، الهاويةُ انفتحت حتى آخرها
نتدحرج من جبل الأسرار إليها
شبحين إلهيَّين أشيعتْ حولهما الفتنةُ
...
وأقيمت بينهما أسواقُ وشاياتٍ وخراباتٍ ضجَّتْ
قلبٌ للبيع، وشِعرٌ للحَرْقِ،
وكانَ مزادٌ راح الدَّلاَّلُ بخلوتنا
- نحن الاثنين- يقامرْ.
وتلَّوثنا... يا مرآةَ النّجمة يا عبدَ القادرْ
وتلوّثَ فينا حتَّى الشاعرُ، حتَّى الشَّاعرْ...
دعهنَّ
ولا تتركْ ما كنَّا بالدَّمع نزيّنُ لؤلؤه
وتعال لنبكي قدَّام الكاهن
إذ يختلف الأمرُ ويختلف الآمرْ.
ولنصرخ: يا آدمْ...
حتّامَ ستسقُطُ في ليلِ التّيهِ
يا عبدَ الشعر، وأنتَ شبيهي...
________
1993