لهب يسجد لعينيها - علاء الدين عبد المولى
جمعَ الشّتاءُ ضيوفَه في غابة قد لا تُرى
وأتاحَ للعين القليلةِ أن ترى
في الماء أكثَرَ من جمالٍ تائهٍ
ليقومَ روحٌ من مقام سكونه
ويؤجّ في تنّور شاعرْ
لهبٌ مُغايرْ
لهبٌ يثير حواس سيّدةٍ تسودُ على مباهجها
وتملكُ سحرَها من باب لذَّتها إلى محرابها...
أتكونُ حافيةَ المساءِ من الغيوم
إذا لبستُ الذكرياتْ؟
وأرقْتُ من أجراسها نهراً
أعرّي فيه نرجستي
أعتّق فيه قيثارى فتسكرُ أغنياتي
أتكون مالكّةَ الصَّباح
لأنحني في نور وقفتها الغنيَّةِ
عابداً بين العبادْ
تُملي عليَّ فروضها
فأطيعُ عينيها وأسجد للسَّوادْ
أتكون مانحتي إقامةَ فلّةٍ في جنَّة زرقاءَ؟
سافحتي على قدحَيْنِ من عسلٍ وزهرٍ
في أعالي صدرها؟
ما زلتُ أقرأ في خرافة شعرها
سنواتِها... وأضيفُ: أجملَ عمرها...
لأكونَ وقْعَ بكائها السّرّىّ في الأمطارِ
حامي برجها من لوثة الإعصارِ
كيف يهبُّ من أنحائها
وأنا سياجٌ من رمادْ؟
أو كيف أستلُّ القصائدَ من ضفيرتها،
ومن جسدي قطعتُ لها خيالاً؟
أسندتُ بنيةَ قهرها
بهوائيَ المحروقِ...
سهَّرتُ الحرائقَ في عروقي تحت خدمتِها،
قطفتُ لها محالاً
واجتزتُ جوزاءَ المجازِ
عجنتُ ذاكرتي بسحر تناقضاتي
جمَّلتُ موتي كي أتيح لها قليلاً من حياةِ...
هل أستعيدُ جنون ماضينا
إذا وقعت على الأرض اللَّيالي؟
واختلفنا حول وصف الحبِّ:
هل شجرٌ تقشّرهُ الرّياحْ؟
أم معبدٌ لتواجه الأنهارُ عذْرَتَها، وتندفَع الظّلالُ مع الظّلالِ،
بزفَّةٍ لا تنتهي حتى يكاثرَها الصَّباحْ؟
نحن اشتعلنا غامضَيْنِ
وكلَّما انكشفَ الحريقُ لذاتِهِ
هجرتْهُ جمرتُهُ تحاول الانطفاءَ
فلا جُناحَ عليكِ إِن أمعنتُ فيما أشتهيهِ
لا جُناحْ...
يا طيريَ القدريَّ هل هذا امتحانُ
فيه نجابهُ ضعفنا الكونيَّ؟
هل نارٌ ونورٌ نحنُ،
أم طينٌ/ هوانُ؟
ولنا اختبارٌ في قديم الغيب
أَنْ ننمو بذوراً عند مذبح مريم الزَّهراء
تنسخُنا الصَّواعقُ عبر أنسجة الطَّبيعةِ،
هل نؤّرخ بالهشاشَهْ
جسداً عميقَ المَتْنِ،
تفضحهُ أمام جمالكِ الأقصى ارتعاشَهْ؟
أنواصلُ استقصاءَ فحوى العشقِ في قبر الفراشَهْ؟
لا تطفئي القنديلَ...
من حقِّي الرَّحيل إليكِ
طوَّافاً بأجنحةِ القُوى الزَّرقاء،
أكسرُ ظلمتين صغيرتينِ
ماذا يباغُتنا؟ ويفصلُ عن يديَّ حديقتينِ؟
نحن التّوهّج عَبْرَ نارِ الشّكّ في نبع الإلهِ
فلن أذوقَ الحبَّ موتاً مرَّتينِ
وأقولُ: ماذا تشتهين من البعيدِ؟
أخوضُ كهفاً باطنيَّاً؟
أتَّقي لغةَ التَّداعي؟
أم أُزَفُّ ببعض أعراسِ الغديرِ؟
أزورُ ليلَ المعجزاتِ؟
وانزوى بيني وبيني؟
هذا إذاً روحُ القصائدِ والرؤى
فلتطلبي ما شئت مالكتي،
على رأسي وعيني...
ولك الحلولُ إذا أردتِ بجرنِ ذاكرتي،
ومن قبل الولادة أنتِ فاطمتي،
وأختُ شقائق النّعمان في معراج روحي،
أنتِ بنتُ الرّوضةِ الخضراءِ في حجٍّ طهورٍ،
أنتِ سعْيُ الفكرِ بين صفا ومروَهْ
وأنا التَّلاشي في شذاكِ
وكلَّما أفنيتُ أحوالي
صعدتُ مزارَك العالي
فتىً تتعانَقُ الأشجارُ في أجيالهِ
تمتدّ من بدءٍ إلى بدءٍ
كموجٍ يختلي بضفافِهِ ويضيفُ صبوتَهُ
إلى صبواتها
والموجُ سيِّدُ من تزوَّج نفسَهُ
فتفتَّقَتْ أحشاؤه زبداً
على شرفاته الرّبَّاتُ يقذفْنَ المدى ألقاً ونشوَهْ
وأنا انتشارٌ في يمينكِ من رؤى عرفاتَ
أطوى ذروةً من بعد ذروَهْ
أنا كم شربتُ الخمرَ من كرمٍ ضعيفٍ
كي أفتّشَ فيّ عن ينبوعِ قوَّهْ
فدعي فيوض الوجد تغمرْ هوَّةً تُفْضي لهوَّهْ
ودعي سلال الياسمين تعينُ رحلتنا إذا طالت
سنعرفُ من جديدٍ أن ثروتنا حنينُ
وسنعرفُ الأربابَ دون وساطةٍ
لنذيعَ سكرَتنا بهمْ خَلْف الجبالِ
نكون عُبَّاد الجمالِ
لعلَّنا من سرّه الأزليِّ
نغترفُ المجرَّات القصيّةَ
حين يدغمُها مدارُ العشقِ
يصهرُها انسجامٌ كم تلذُّ به العيونُ
لنرى إذاً
ماذا يكونُ...
________
23/3/2000