قرنفلة السبت الحزين - علاء الدين عبد المولى

فجراً دفعتُ البابَ نحو قرنفلٍ يذوي،‏
جلستُ وفي يدي حطبُ انتظارِ‏
أشعلتُه، وطمرتُ بالإيقاع أسئلتي...‏
لمن هذي النَّوافذُ تدخلُ الأشجارُ من أهدابها‏
وتسيل في نورٍ ونارٍ؟‏
أمس انتهيتُ ولم أذق عسلاً‏
ولم يُسْدَلْ على جسَدَيْن من شبقٍ ستاري‏
أمس احتميتُ بجرّةٍ بلّتْ عروقي‏
فانسكبتُ على النَّهارِ‏
كحمامةٍ فقدَتْ جناحَيْها ونامتْ في هديلٍ مستعارِ‏
ماذا أُخبِّئُ عنكِ؟‏
أسراري نَمَتْ في ساعديكِ،‏
أشمّ من إبطيكِ رائحةَ الغيومِ،‏
وبوحَ إنجيلِ العطورِ‏
وأحسّ مخملَ صوتِكِ العالي تموّجَ في سطوري....‏
ماذا أحدِّثُ غرفةَ السَّبْتَ الحزينِ‏
لفَّتْ معذَّبتي يدَيْها بالرِّياح وغادرتْ‏
فوجدتُ أضلاعي تسمِّي باسمها‏
وشهدتُ نورَ قميصِها ينسابُ من بُعدٍ‏
ويهبط في عيوني‏
يامريمَ الغَيْبَاتِ‏
سبتُ النَّوَر؟ أمْ فَقَدٌ يؤجِّلُ رقصتي حتَّى غدٍ يأتي؟‏
جنينُكِ ماتكلَّم بعدُ في مهدٍ‏
وما بلغَ الفؤادُ حدودَهُ الزَّرقاءَ‏
موجعةٌ نطاف الخَلْقَ نهدرُها‏
ونمضي حافَيْينِ بلا جذورِ....‏
ماذا؟ قرنفلةٌ بلونِ قميصكِ الخمريِّ...‏
قلت: قطفتها من جنَّةِ الذِّكرى‏
لتنبئَ عن حضوري‏
لم تُخْبريها عن غيابكِ، فانحنَتْ، وبكَتْ علىظلِّي‏
ونامَتْ في ضميري‏
والآن أين خُطاكِ تشرقُ؟‏
هذه الأدراجُ خاويةٌ‏
ممرُّ المتحف الرُّوحيِّ فخَّارٌ تكسَّرَ في شعوري‏
رملٌ وحيدٌ في الغناءِ‏
وصورةٌ فوق الجدارِ‏
وجرارُ أحلامي تَكَوَّمُ في الزوايا....‏
أين كفُّكِ يا مرمّمةَ الجرارِ‏
غافلتُ فنجاني وطاولةَ البكاءِ‏
لمَّا أتيت سفينةً حملتْ من الوجدانِ ياقوتاً‏
يشعّ بريقُه بين الدّماءِ‏
مرَّ الصَّباحُ كأنَّهُ حَجَرٌ يدقُّ أصابعي‏
فأصابني شللٌ...‏
لمنْ سأمدُّ كفِّي بالسَّلامِ؟‏
ومن سأشرب قهوتي معَها؟‏
وأين أديرُ وجهي؟‏
أيُّها الدَّرَجُ البعيدُ‏
انزلْ عميقاً في خُطايَ،‏
على رخامك،‏
آثار خطوتها، ونبضُ رحيقها‏
يعلو على أسوارك السوداء،‏
ضحكتها ترن على حطامك،‏
ها أنت مثلي فارغ منها،‏
ومثلي أنت تحفظ شِعر ساقيها،‏
فكيف تركتها تمضي كلاماً خارج الأشعار‏
في غرف الصباح؟‏
هي الحديقة عندما تمشي‏
وكعب حذائها حلم تراه في منامك‏
قدني إليها في الضحى،‏
بعد الظهيرة،‏
عندما يدنو الغروب إلى مقامك‏
داومت عند سياجك العالي‏
أطل على فراغك‏
في يدي شمس صغيره‏
لأضيء ممشاها اللطيف،‏
لتصعد الأنثى الأميره‏
مر الصباح، ومر كل الوقت، كل السبت،‏
والفنجان قعر ناشف،‏
وقرنفل الأعماق جف،‏
وسابق الشريان نبع الريح في الجهة البعيده‏
غافلت كل الشوق‏
يا أنثى على يدها تنام الذاكرة‏
عودي غداً، فغداً سأمشي تحت أروقة جديده‏
وغداً سأفرغ فيك إبريق العتاب‏
وأضم خصرك راعشاً‏
وأشم عطرك يا قرنفلة العلاء‏
وغداً سأفتح باب فجري‏
وأريق فوق يديك ينبوع القصيده‏
يا شهوة صيفية‏
أديت في بستانها صلوات شعري‏
مري غداً بي، وادفعي عني غبار الصمت‏
هذي ساعة الظلمات دقت‏
والأرض شقت‏
أثوابها، نامت علىحجر الحنين‏
نام التراب، ونامت النجمات، نام النوم...‏
وحدي/‏
حجر جفوني‏
وفراشة الأحلام ماحطت على الأهداب،‏
فالأحلام أنت‏
وأنت كل الوقت، كل السبت،‏
لم تأتي...‏
غداً عودي طريَّهْ‏
كرغيف موسيقى يرن على يدي‏
عودي إليك/ عودي إلي‏
عودي غداً أنثى شهيَّهْ‏
يا مريميَّهْ...‏
___________
10 / حزيران / 1995.‏