عاصفة رملية - محمد الماغوط

في صندوق عرسها المصدّف
وبين كعك المناسبات وجيوب الأمانات والحناء وعروق الغار
والريحان والذكريات
كانت قفة التمر السنوية تربض كما يربض الكرملين في الساحة الحمراء
وتجلس أمي إلى معجنها عند الفجر
وتغني للغائبين أن يعودوا
وللمرضى أن يبرؤوا
ولا يهدأ لها ولعكازها بال
حتى تعرف عدد الموتى والمحتضرين في قريتها
وعدد حوادث الطرق
والثأر
والاغتصاب
والتوقيف
ومن دعي إلى الخدمة الإلزامية ومن سرّح
والآبار والينابيع والأقنية المائية والتلفزيونية
وساعات البث ليل نهار
والعمليات الفدائية في لبنان
ومسار المجاعة في السودان
ورواد المعابد والحانات ومحطات السفر
ومواليد السكان ومواشيهم كل صباح
وماذا حل بأبناء عبد الناصر وانطون سعادة وكمال خير بك
وفرج الله الحلو وغيفارا
وأم الشهيد عدنان المالكي
وتزغرد في كل عرس ولو لم يكن يخصها في شيء
ثم *** المشمعات وأطباق القش الملونة
ولا تأكل إلا الحثالة
*
وعندما قضت ذات مساء
عرقل فلاح بسيط إجراءات الدفن
بدارجته النارية الهرمة وصرخ وهو يبكي بمرارة وسط سحابة
الغبار:
لقد ماتت سلمية!
*
وبالفعل ماتت كقرية
وها هي مسجاة على حدودها الصحراوية النائية
مكشرة جغرافياً وزراعياً وصناعياً وسياحياً وأدبياً
في وجه كل غاز ودخيل وطاغية!!