بيروت آية بحرية - محمد الماغوط

صباح الخير أيتها السطور
أيها الهامش
أيتها الصفحات البيضاء
أيها الكفن العريق المضياف...
وأنتم أيها المشيعون
ترفّقوا بما تحملونه على أكتافكم
فهو ليس فارغاً كما تتصورون
سيروا بهدوء
وسأشتري حزنكم بالسعر الذي تريدون.
*
بيروت..
يا أمي وطفلتي ومعبودتي!
تذكرت ساحة البرج في "سرير تحت المطر"
وساحة الدبّاس في "الغجري المعلب"
وصخرة الروشة في "أمير من المطر وحاشية من الغبار"
والياس الديري في شارع شوران
وبول شاؤول في شارع الحمراء
وعصام محفوظ وفؤاد رفقة في مطعم بخعازي
والرحابنة في "غربة والمحطة وجبال الصوان"
بك جعت وشبعت
قاومت واستسلمت
تألقت وانطفأت
عريت واكتسيت
وحاورت وناقشت وصرخت:
لم لا تكون بيروت وحدها الهلال الخصيب؟
وكفى الله المؤمنين شر القتال!
لقد أحببتك وقدسّتك حتى كدت أشرك!
*
ولكن ما مضى قد مضى
وما فات قد فات
أخاطبك الآن من كهفي الذي خصتني به خارطة الطريق في
جبال آرارات
حيث لا أحتاج إلى نفقات إقامة وطعام وتنقل
فهناك من يدخل ويخرج ويأكل ويشرب ويناضل ويخون عني!