سيف بين دفاتري - محمد الماغوط

يوسف الخال
أنت من احتضنتنا بأسمالنا، وقملنا، وجوعنا، ورعبنا، ودموعنا،
ولسعات السياط على ظهورنا من البلاد التي جئنا منها.
وأعطيت لكل منها:
سقفاً ليقيم..
ورغيفاً ليأكل..
ودفتراً ليكتب..
ووسادة ليحلم..
***
نعم أنت المسمار المقتلع من إحدى راحتي سبارتاكوس
لتعلّق لوحة لرفيق شرف الحافي القدمين بين أعمدة بعلبك
وخرائبها
وأيّ شيء للعطار الأميّ "أبو صبحي التيناوي" في بزورية دمشق
أو على الجدران التي ضمّت بشائر النبوغ والإبداع في الشعر والنثر
في صحارى هذا الشرق اللانهائية
وأنت بجوربيك الأحمرين الشهيرين
مثل مخلص يلف ساقاً على ساق بين أتباعه وحوارييه
***
وكانت الصحون العربية والأعجمية فارغة
والجميع على الطوى
وكنت تبحر صباح كل يوم في طلب الرزق كأي صياد عجوز
لكومة من اللحم والدفاتر والأحلام في كوخه البعيد
ولكن من رأى رأسك المعمم بالدفاتر البيضاء
على قارعة السرير
وقدميك العاريتين
جاهزتين لملاقاة أمهما الأرض
بل من يذكر الهدهد المتواضع بين طيور الواجهة الآن؟
أنا أذكر وأتذكر
فما زلت كما عهدتني بكل عاداتي وتقاليدي وأخطائي اللغوية
والاجتماعية التي جئتك بها
ومازلت موضع سري
كما في ليالي الشتاء الغابرة
إنني أحلم أكثر مما أكتب
ولكنها أحلام تتطور ليلة بعد ليلة إلى كوابيس رائدة
ومستمدة من كل أديان الشرق وعاداته وتقاليده
حتى لأفكر بإقامة معرض متنقل لها في كل أرجاء العالم
ثم أقيم لها متحفاً دائماً كاللوفر تماماً وفي باريس ذاتها
ولكن عاصمة الظلام لا النور
لأن "كارلوس" مازال سجيناً وراء قضبانها.