مشروع زلزال - محمد الماغوط

تعرفت على نزار قباني في مقهى الهافانا
والبرازيل والكمال الصيفي والشتوي أنيقاً كخط كوفي
وأسلوبه في تحقيق أهدافه وأحلامه بدائي كجرائم الهواة،
غزيراً كإبر الجدات والساحرات في حارات دمشق وسبأ
وغرناطة...
جرحاً سطحياً في جبهة الشعر العربي ولكنه جرح مهيب وساحر!
*
بدعوة من الصديق المشترك رياض نجيب الريس التقينا في لندن
عاصمة الضباب
واختصتنا سونيا فارس أشهر مصممة أزياء في باريس مع أخت
تشكيلية نسيت اسمها بعد كل هذه السنين...
وتصدرت صالة الضيوف بانتظار ما يقدم لي في سهرتي
الصباحية الخالدة
وإذ بنزار يخرج من المطبخ على صدره مئزر مزركش وطلب مني
النهوض لمساعدة المضيفتين في إعداد المائدة، فقلت له حاسماً النقاش:
والله ما جئت من سلمية إلى دمشق إلى بيروت وسجنت في
المزة والشيخ حسن والمية والمية وجعت وتشردت وقملت كل هذه
السنين لأقشر البصل والثوم في إحدى شقق لندن المجهولة!
فنعتني بالمتخلف والبدوي والنوري والقرباطي وبسوء التربية،
ثم استطرد كما في حلم: ألا تعرف ما هي المرأة؟
إنها بلبل، كنار، فراشة، ريشة، سنبلة، أسطورة
وتركني وهو يبكي بصدق ومرارة على بلاط لندن العتيق المتعجرف!
ولم أسمع بقية حديثه إلا بعد سنوات في مكتبي في مجلة
الشرطة بدمشق وهو يسند جبهته على كتفي والدموع تغطي وجهه
وقصائده.
*
وعادت حليمة إلى عادتها القديمة
لا يرى من المرأة إلا نهديها
ومن الجبال إلا ذراها
ومن الغابات إلا ثمارها
ومن البحار إلا لآلئها
ومن الطائرات إلا درجاتها
ومن خطفها وتهديدها إلا فديته
ومن الحروب إلا غنائمها
ومن الجوامع والكنائس إلا زينتها
ومن جرائم الشرف إلا سهولتها وتبريراتها
وهو لو جاع أو تشرد أو أمضى ليلة واحدة من حياته في سجن أو
مخفر أو يوماً واحداً من خدمة العلم بألفاظ المدربين المعهودة لكان رامبو
العرب بلا منازع
ومأساته الكبرى أنه كتب عن حرب السويس والعدوان الثلاثي
وعن أهم القضايا المحلية والعربية والدولية والوطنية والدينية
والتكتيكية والاستراتيجية، بقلم حمرة !