روح الهوى - محمد موفق وهبه

رَكِبْتُ دَرَّاجَتي أطوي الطريقَ بها
إلى(الجَزائِر) مِنْ (وَهْرَانَ) تحْمِلنِي
تُسـقى بِمَاءٍ تعَافُ الخيـلُ نكهَتهُ
وَ لا تَـذوقُ طعَامـاً آخِرَ الزَّمَـنِ
فكمْ أجُوزُ قرىً دونَ الوُقوفِ بهـا
وَ كـمْ أُقَطِّـعُ غيـطاناً بِلا وَهَـنِ
لو امتطاهَا امْرؤُ القيسِ ارْتقى مَلِكاً
وَ عَادَ بالظفـرِ المَنشُـودِ لِلوَطَـنِ
زُوَّادَتِـي مِـنْ لُفافـاتٍ وَمِشْـعَلَةٍ
أحْببْ بهَا مِـنْ رَفيـقٍ لا يُكَدِّرُني
تطفِي هُمُومِـي فتفنيهـا سَـحَائِبُهَا
فاعْجَـبْ لِمُخلِصَةٍ تفنى لِتُسْـعِدَنِي
وَصَلتُ (أرْزُو) وَلمْ أنزلْ بهَـا أبَدًا
فَ(مُستغانِمُ) عَـنْ بُعْـدٍ تناشِـدُنِي
جَناتُ عَدْنٍ ضَوَاحِيهـا فمَا وَقفـتْ
سَـبَّاقةُ الرِّيـحِ إلا فِي رُبَى عَدَنِ
وَسَّـدْتُ رَأسِي مَخدَّاتِ الرَّبيـع بِهَا
وَ ارْتاحَ فوْقَ شَـذى أزْهارهَا بَدَنِي
وَاسْتقبلتنِي رُبَى (الأصنام) ضَاحِكةً
ثغورُ رَيْحَانِهـا بالطّيـبِ تَنفَحُنِي
ذَكَّرتِني يَا رُبى (الأصنـام) رَبْوَتَنا
إذ نحْنُ فـوْقَ بِسَـاطٍ أخضَرٍ لَدِنِ
نقتاتُ شِعْراً وَ نَحْسُـو خَمْرَ أُغنِيَةٍ
وَ أَسْـمَعُ البَـوْحَ مِنْ عَيْنٍ تحَدِّثنِي
فِي جَنَّـةٍ تحْتَهـا الأنهَـارُ جَارِيَةٌ
لَمْ تسْـمَعِ اللغـوَ فِي أَنحَائِها أُذُنِي
تنهَدَ الحُـبُّ فِي أغصَانِهـا فَهَفَتْ
مَا بَيْـنَ مُعتَنِـقٍ شَـوقاً وَمُحتَضِنِ
وَيا حَدائِـقَ (عَفـرونٍ) تَيَقَّـظَ فِي
قلبي لِرؤيـاكِ حُبٌّ مَاتَ مِنْ زَمَنِ
كَأَنَّنِـي وَ أَنـا ألقـاكِ فِـي حُلُـمٍ
لِغوطةِ الشَّـامِ لِلجَنّـاتِ يَحْمِلُنِـي
هَذي بَسَـاتينُهَـا هذي مَزَارِعُهـا
وَ ذاكَ دوريُّهـا يَشْـدو عَلى الفَنَنِ
وَهَاهُـمُ الصَّحبُ هَامُوا فِي خمَائِلِهَا
يَا قلبُ صَفقْ فأنتَ اليَومَ فِي الوَطنِ
وَ فِي (البُليـدةِ) هَامَ القَلـبُ مُنتَشِياً
فالظِّلُّ وَالعِطـرُ وَ الأنسـامُ تَتبَعُنِي
تَحَيَّـرَ الطَّرْفُ فِيهَا بَيْـنَ مُفتَـرَقٍ
مِنْ أيْنَ أمْضِي كِلا الدَّربَيْنِ يَجْذِبُنِي..؟
فذاكَ فِي ظلـهِ المَمْـدودِ أدْهَشَنِي
وَذا بنشْـرٍ وَسِـحْرٍ رَاحَ يُسْكِرُنِي
حَتى وَصَلتُ طريقَ الخلدِ فانفرَجَتْ
عَني هُمُومِي وَكرْبي وامَّحى شَجَنِي
دَرْبُ (الجَزَائِر) هَذي فلتطِرْ فَرَحـاً
يَا قلبُ وَاطرَبْ فإنَّ القرْبَ يُطربُنِي
هَذي (الجَزَائِرُ) عَنْ قُرْبٍ تلوِّحُ لِي
بشَاهِقاتٍ عَلتْ تَسْـمُو عَـلى القُنَنِ
أرْضَ البُطولاتِ جَاوَزْتِ العُلى وَهَوَتْ
تحْتَ الجَناحَيْـنِ أَشْـلاءٌ مِنَ الفِتَنِ
المَجْـدُ تحْتـَكِ عَرْشٌ تَنعمِيـنَ بِهِ
وَالنصْرُ تاجُكِ لمْ يُلبَسْ بِـلا ثمَـنِ
وَالصَّولَجَـانُ إبَـاءٌ تأمُريـنَ بِـهِ
مَا رُمْتِ شَـيئاً عَزيزَ النَّيلِ لمْ يَكنِ
بالأمْسِ ثَـوْرَةُ تحْريـرٍ أفاقَ لهَـا
تاريخُ مَجْدِكِ مَذعُوراً مِنَ الوَسَـنِ
فِي كلِّ حَبَّةِ رَملٍ مِـنْ ثَـراكِ دَمٌ
وَ أينمَـا سِـرْتُ أرْوَاحٌ ترَافِقنِـي
دَفعْتِ أُسْـدَ الفَـلا لِلحَرْبِ فاندَفعُوا
لمْ يَأخذوا النَّصْرَ فِي صُلحٍ وَلا هُدَنِ
أَرْضَعتِهم لبَنَ الإخلاصِ فانغرَسَتْ
أنيَـابُ عِزَّتِهِـمْ فِي أضْلعِ المِحَنِ
وَاليَـوْمَ ثـوْرَةُ تَشْـييدٍ وَمُنطَلَـقٍ
نَحْـوَ اشْـتِرَاكِيَّةٍ تبْقى عَلى الزَّمَنِ
تُثيرُ مِرْجَلَ أحْقـادِ الشُّـعوبِ عَلى
سَـادَاتِهَا وَتبيـحُ النّـورَ فِي العَلنِ
أرْضَ البُطولاتِ مِنْ فيْحَائِنا حَمَلتْ
إليـكِ روحِي حَنينـاً رَاحَ يَدْفعُنِي
أنا رَسُـولُ الهَوَى والحُبِّ بَينَكُـمَا
رَسَائِلُ الشَّوْقِ فِي صَدْري تحَرِّقنِي
ودَّعْـتُ بالأمْسِ أهـلِي فالتقيتُهُـمُ
عَـلى ثـرَاكِ فـلا بَيْـنٌ يُؤَرِّقنِي
قسَـمْتُ رُوحَ الهَوَى نِصْفيْن بَيْنكمَا
وَجئتُ مِنْ وَطنٍ غـالٍ إلى وَطَـنِ
.
1969