سبعة أعوام - محمد موفق وهبه

وَعَادَ سنْدِبَادْ
من رحلة غدت حكاياتٍ على ألسنة العِبادْ
وانتشرتْ كما تطير الريحُ في كل مكانْ
تذكرها الأجيالُ للأجيالِ ما مرَّ الزمانْ
وعادَ سندبادْ
يَحْمِلُ أكيَاسًا مِنَ الياقوتِ والفيروزِ وَالجُمَانْ
يَحْمِلُ أخبَاراً عَنِ الوُحوشِ والحيتانِ والجرادْ
وصُحبَةِ الفُهودِ والأسودْ
وعن لصوص البحر وَالأقزامِ وَالتُّجَّارِ وَالهُنودْ
وَعَنْ طيورِ الرُّخِّ فِي وَادِي العقيق وَالحِجَارَةِ الكريمَهْ
وَعَنْ لِقاءاتٍ مَعَ الأَهوالْ
وَنَومَةٍ مَعَ الثَّعَابينِ العَظيمَهْ
فِي غابةِ الأرْوَاحِ وَالأشْبَاحِ وَالأغوَالْ
قدْ عَادَ سِندبادُ بَعدَ رحلةٍ طويلةِ الغيابْ
منتصراً جذلانْ
لم يعرف الخُذلانْ
ولم يذ قْ طعمَ الفشلْ
لم يذبحوا أمامَ عينيهِ فراخَ الحُبّ والأملْ
وينثروا الأشلاءَ فوقَ الصخرِ والقَتادْ
فيقطعَ الأيامَ سائحاً ونائحاً في كلّ وادْ
ما اضْطُرّ وهو مُدنفٌ عطشانْ
أن يشربَ الهَوانْ
أراد ربّ الكونِ أن يعودَ سندبادْ
منتصراً جذلانْ
فذللَ الصّعابْ
بين يديهِ دونما عِنادْ
فحقق المُرادْ
وَتُفتحُ الأبوابْ
وَيَدْخلُ الأهلونَ وَالأصْحَابْ
وَتُملأُ القاعاتُ بالزوارْ
يحكِي لهم غرائِبَ الأخبارْ
فيُنصِتونَ يَسْمَعونَ مِنهُ عَنْ عَجَائِبِ البلادِ والبحارْ
وَكيفَ رَدَّهُ القضاءُ سَالِمًا فعَادْ
لِلمَوطِن الغالِي وَلِلأحْبابِ فِي بغدادْ
فيَحْمَدونَ اللهَ فِي مَشيئةِ الأقدارْ
قدْ عَادَ سندبادُ ألفِ ليلةٍ وليلَهْ
وَاختفتِ الهُمومُ فِي الحِكايَةِ القديمَةِ الجَميلَهْ
وَانتهتِ الرِّحْلاتُ والأسفارْ
وَارْتاحَتِ الأتعابْ
فِي غابرِ الأيَّامِ والأزمانْ
لكنما النِّقابْ
لم ينسدِلْ عن ذلك الجوّابْ
رحلاته نما لها جُنحانْ
طارت أساطيرَ مع الرياح والرُّكبانْ
تكاثرت في جَلَساتِ الليل والنهارْ
بلا اتزانْ
حتى غدت ملحمةً طويلةً طويلَهْ
تجول في مراتعِ الخيال في واحاته الظليلَهْ
وتَهَبُ المتعةَ للسمّارْ
قدْ عَادَ سندبادُ ألفِ ليلةٍ وليلَهْ
وَاختفتِ الهُمومُ فِي الحِكايَةِ القديمَةِ الجَميلَهْ
لكنَّ سندبادَ هذا العصْرِ قدْ طالَ بهِ البعادْ
ولمْ يئنْ بعدُ لهُ المَعَادْ
سَبْعةُ أعْوامٍ مَضَتْ وَلمْ يَزَلْ يَطوفُ فِي البلادْ
يَقتاتُ أشْواقَ الفؤادْ
وَيَرتدِي الوُجومَ وَالشُّحوبَ والسُّهادْ
خلا مُحَياهُ من البسمات والحبورْ
ولم يعُدْ يذكرُ أيَّ عيدْ
سُمّارُهُ الخيالُ وَالأَوهامُ وَالشُّرودْ
أفكارُهُ دَوَّامَة تدورْ
ذِكراهُ أوراقٌ تمَزَّقتْ تناثرَتْ مَعَ الرِّيَاحْ
وَدَمْعُهُ مُبَاحْ
سَبْعَةُ أعْوَامٍ مَضَتْ مِنْ عُمْرهِ المَكدودْ
مِنْ عُمرِهِ المحْدودْ
وَلمْ يَزَلْ زَوْرَقُهُ يَطوفُ فِي البحارْ
وَلمْ يَزَلْ حِصَانُهُ يَطوي بهِ القِفارْ
وَيَقطعُ الأبْعَادَ وَالآمادْ
يُصَارعُ الأهوالَ وَالأغوَالْ
وَيَنبشُ الأَوكارَ وَالجُحورَ وَالقُبورْ
يلوبُ لا يعرفهُ الكلالُ والملالْ
يدأبُ لا يعرفُهُ الفُتورْ
يبحثُ.. لا يُعيقُه ليلٌ ولا يُرهِقه نهارْ
عَن كَنزِه المَفقودْ
عن كنزه المرصودْ
عَنْ تِبْرهِ المَدْفونِ تحتَ الموجِ تحتَ الأرضِ فِي الترابْ
وَليْسَ إلا الرَّملُ وَالمَحارْ
وليسَ إلا الوهمُ والسَّرابْ
فانتظروهُ، عَلَّهُ يَعودُ للأوطانْ
وَيلتقي الخِلانُ بالخلانْ
لكنهُ لنْ يَحْمِلَ الياقوتَ والفيروزَ والجُمانْ
أكياسُهُ مَمْلوءةٌ بالشَّوقِ والحَنانْ
سيطرقُ الزُّوَّارُ بَابَ كوخِهِ سَيَدخُلونْ
وَيُنصِتونْ
لعَلهُ يحكِي لهمْ عَنْ بَعْضِ مَا لاقاهُ فِي الأسفارْ
لكنهمْ لنْ يَسْمَعوا عَجائبَ الأخبارْ
لأنهُ ليْسَ يَعِي شَيئاً سِوَى عنْ حبِّهِ الكبيرْ
عَنْ حبِّهِ المُضَيَّعِ المَصِيرْ
.
1970