الرماد الساطع - ممدوح عدوان

بالسر نختزل المدينة غرفة وزجاجة
بالسر نبدأ حبنا لهواً لنخترع البلاد
جسداً تمدّد بين جرحين
استفاقاً ليلة الإِسراءِ
كان الحب ينزف، شاهراً غضب البكاءِ
من الزناد إلى العناد
بالسر نختزل المدينة
نبدأ الحب الذي لم يلق سعراً في المزادِ
فأغلق الكتب الجديدة والقديمة والعقيمهْ
إني قرأت لأتقن الحب الذي ما كان إلا في دمي
وسمعت أنغاماً لأعرف طعم صوتي في فمي
وعرفت ذلاً ،
لم يكن لولاكِ يعرفني
أبادلك التحية والشتيمةَ
ثم ننتهر الظلام لنختلي في صرخة
أو نستحيل إلى زناد
هيهات..
طاردني الطغاة لكي أُنَظَّفَ منك
طاردك الطغاة ليفرغوا مني الشوارعَ
نختلي
بالسر نختزل المدينة:
كل هذا الحب ليس سوى بكاء من صبابه
بالسر نخترع العزاء
الأرض كانَتْ في الطفولة بيننا كرة
وحوّلها الشباب إلى سحابه
ألأجل هذا الحب تشتعل الحروب
وتُدهَنُ الآفاق صبحاً بالسواد
ويصير شكل القلب من وجع ربابه؟!
... وأضيق بالماضي - ولا أضحي عدواً -
كيف أعرف كل هذا العيب لا اضحي عدواً
أو "شعوبياً"
ومن ذا سلم الأخطاء للأعداء
إن الأرض تسبقني إلى وجهي
وتسبقني إلى وجعي
وكان ترابها جرحاً
فصار له ضماد
قد حذرتني الأرض: لا تغضب
ولا تعلن إباءك
إذ يراك الغدر
سوف يراك من لو جاء في الرمضاء
ثم تطلعت عيناه نحو القلب يجمدْ
أو لم تر الشبان قد هجروا الحدائق
واستحالوا كالحرائق
يمنحون الدفء للوطن المبردْ
يتعلم الضباط نظم الشعر
تقطيع القصيدة
يلجأ الشعراء للمقهى...
أسير على القتاد لكي أرى وجه البلاد
أجيئها من بحر يافا موجة
فتقودني الأمواج نحو مخيم اليرموك
أو تقتادني الأضواء نحو فضائح الحراس
تختلط الدروب
فأنتهي عند المقابر
والمنابر
أنقل الخطو الكسيح من الخنادق
للفنادق
في ردهاتها تضحي البنادق
كالبيادق
في مدى العينين عصف من رماد:
الرماد الأول:
[ وقطيع ميغ
لا يثير النقع
حتى وهو يصهل في إغارته
على صهواته الشهداء،
عند زريبة الرادار يرشده الرعاة
إلى حريق يستحيل الميغ فيه إلى
سماد ]
الرماد الثاني:
[ يحكي الصديق مع الصديق:
الكبت ملعون
بفضل الحرب تمتلئ المدينة
يعلن المكبوت حاجته بلا خجل
وتعترف الصبايا بالصبابة
نلتقي حتماً بأرملة الشهيد
وميزة الحرب الضروس تتابع الشهداء
واستفحال ظاهرة الأرامل
فانتهاء الكبت
واستقبال باب الرزق
تكت عنهمُ شعراً وتقبض
ثم تذهب كي تعزي حيث تقبض
يقبض الزعماء
كتاب الصحيفة
بائع الصور الغريبة
والموظف في الجمارك يستفيد:
توافد السواح، أهل النفط،
حيّ على الجهاد!
حيّ على الجهاد
حيّ على الجهاد ]
الرماد الأخير:
بعد انتهاء القصف أمسكت الجريدهْ
لم أقرأ الأخبار،
أو أسماء قتلانا الجديدهْ
عالجت أحجية
قرأت طرائف الدنيا البعيدة
والسعيده
وأُهِنتُ في "المانشيت" عن أصحابنا
المتضامنين
فقرأت، مغتسلاً،
وفي نهم قصيده
ويقول لي: الحمد للرحمن قد أعطى
فقلت: الحمد
قد أعطى .. وزاد ]
____________
من ديوان: للخوف كل الزمان