الصَّبـر - عبد السلام بركات زريق

حزناً على أعتابِ عينِكِ أنظرُ
ووراء حزنِكِ عَبرةٌ تتحجَّرُ

ولقد قرأتُ على جبينك قصةً
عن سوء حظك في الغرام تُخَبِّرُ

ورأيتُ شوقاً في خدودك مضرَماً
وعلى نهودِكِ رغبةً تتضوَّرُ

مأساةُ حبٍّ في عيونكِ غادتي
والعينُ تفضحُ ما كتمتِ وتُظهِرُ

لا تعجبي إني بقلبكِ عالمٌ
أدري لُباناتِ النفوس وأسبرُ

كم ألهبتني في عيونك حسرةٌ
واستوقفتني في كتابك أسطُرُ

بُوحي بما تُخْفينَ من ألم الجوى
فإذا كتمتِ لنار حبك تَسْعَرُ

صنوان ِلا تتهيبي لخطيئةٍ
عندي من الأخطاء ما لا يغفرُ

بوحي بمكنون السريرة علَّنا
عمَّا جنينا في الحياة نُكَفِّرُ

لم تعرفِ الدُّنيا امرأً متعلِّماً
نحن الأنام كذا نسيرُ ونعثرُ

يا لَلْمصادفة التي سنحتْ لنا
وكذا الزمانُ إذا يشاء يقدِّرُ

وتآلفت روحي وروحُكِ فاعلمي
أن التآلف للسرائر ينشرُ

قد تسعف الأرضَ المَواتَ غمامةٌ
حبلى يناديها الربيعُ فتمطِرُ

أنت الربيعُ وفنُّ سحرِكِ خالدٌ
ولكلِّ ألوان الجمال يصوِّرُ

قد أفرغت فيك المشيئةُ فنَّها
حسنا ً لأحداق البرية يأسرُ

* * *

حزن ٌ أنا لا أستطيعُ دفاعَهُ
فالحزنُ في قلب الكريم مقدَّرُ

فإلى متى تعبُ الحقيقة غايتي
بعضُ الحقائق قد يُميتُ ويقبرُ

الدهرُ لو تدرين نجلُ غمامةٍ
من أين أطفال السحائب تمطرُ ؟

الدهرُ حُلْمٌ كاذبٌ يا غادتي
فَلْتَسألي عنه المقابرَ تخبرُ

وَلْتُرْجِعي كيدَ الزمانِ لنحرهِ
ولتغنمي في الحب ما يتيسَّرُ

إني الأسيرُ ونارُ حبِّكِ جنَّتي
و وصالُكِ الأملُ الذي أتصبَّرُ

وأنا بما أُبْديه من ألمِ الهوى
عندي من الأسرار ما لا يُذكرُ

فلكلِّ جارحةٍ بلاءٌ فاعلمي
أن الفؤادَ من الصبابة يُعصَرُ

والعينُ مني قد تمنَّتْ بعدَكمْ
أنْ ليتَها عَمِيَتْ فلا هيَ تُبْصِرُ

قالت وقد جادتْ بكلِّ دموعِها
أنا بعد هذا الحسن كيف أصوِّرُ

يا ليتني ما كنتُ شيئاً إنَّما
يا ليتَ لا تُغني ولا هي تُفْقِرُ

يا غادتي إنْ ضل َّ قلبي قبلَكم
قد جئتكم لخطيئتي أستغفرُ

لا تُمطليني بالوصال فربَّما
قد يسبق القدرُ الذي لا يُنْظِرُ

فأموتُ عنكِ وقد تركتُ شبيبتي
مفجوعةً في حبِّها تتحسَّرُ

فابكي علي َّ أنا شهيدُ محبتي
والحب في الدنيا الجهاد الأكبرُ

15/9/1996