دموع الحمائم - عبد السلام بركات زريق

" في رثاء شقيقي خالد الذي توفي صائماً في رمضان

عصر16/1/2005 "

أطيبَ الثَّرى أودعتُكَ اليومَ غاليــا
سَـقَتْكَ بواكي المُزْنِ ما كنتَ راجيـا

وأنبتَكَ الرَّحمنُ منْ كلِّ زهـرةٍ
تؤانس محزونا ً وتُسْعِدُ باكيـا

ومــا كـان ماءُ المزن إلا تفجعـاً
وقد بتَّ عنا في ضريحك نائيـا

بكـى رقةً ثم اخضرارا ً ولوعةً
وما كان طبعُ المُعْصِرات التباكيا

وقد أثقل الرحمنُ بالحزن ظهـرَه
فـأقسـمَ إلا أن يكونَ مُـواسيـا

أتانــي ليُنبينــي بأنَّــكَ صائـرٌ
إلـى ملكـوتِ اللـهِ سَغبانَ صاديـا

فقلـتُ أفـي دار الكريـم رحالُــهُ ؟
أيا ليتَ في دار الكريم رحاليـا!

أصام وصلَّــى ثــمَّ يمَّـمَ شطرَهُ ؟
وما خاب من وافى إلى اللـهِ ظاميا

وعدتَ وحَقٌّ ما وعدتَ : إذا مشى
إليَّ محـبٌّ أنْ ألاقيــه ساعيــا

أيا ربِّ ما في العيش طعمٌ نسُوغُـه
وليس لنا في الدهر إلا الأمانيــا

ومنْ يطلبِ الدنيا تزِدْهُ تعلُّقـــاً
بمقــدار ماتُسـدي إليـــه أياديـا

وسيفُ الرَّدى فوق الرؤوس مصلَّتٌ
خفيٌّ ولطفُ اللـهِ ما كان خافيــا

فلو علــمَ الإنسانُ كيف هلاكُهُ
لصارتْ بقاعُ الأرضِ قَفْرَاً خواليـا

ولــو علــم الإنسان ساعةَ موتِهِ
لما سار في تلك المصارع ساعيــا

فتىً زانه الرحمن بالعقل والهدى
وكان عن الفحشاء والغيِّ نائيــــا

تــراه إذا مـــا جئتَـه متبسِّمــاً
يؤاسي أخا كربٍ ويضحـك باكيـا

دموعي على ما كان من حُسْنِ سَمْتِهِ
جوارٍ وكم علَّــقتُ فيه رجائيا

أعينـيَّ جُودا لا فجيعــةَ بعـدَهُ
ولا تُبقيا من صادقِ الدمعِ باقيا

زمـانٌ رماني قبلَـه بمصائــبٍ
ولَلْيومَ هانتْ في عظيمِ مصابيــا

عهدتُ من الدهـر التباريـحَ والجوى
وعوَّدتُ نفسي الصبرَ في كلِّ شانيا

ولكنـه بالموت فـــلَّ عـزائمــي
فلله درُّ المـوتِ مــا كـان راميـا ؟

تمنيتُ أني كنتُ في اللحد دونه
ولا نظرتْ عيني العيونَ البواكيـا

وماذا ستجدي ليتَ أو أخواتهـا
إذا كان سيفُ الحق في الخلق ماضيا

أسيفَ الردى ذكَّرتَنــي بفراقــهِ
بأنيَ مَيْتٌ طالما كنتُ ناسيــــا

وهيهات أنسى الموتَ في العمر ساعة
ولـو أن جنـاتِ الخلـود أماميـا

إذا لجَّتِ الذكرى بصدري وجدتُنـي
يسيل علــى ثغري الحنينُ قوافيــا

فمذ كـان حياًً مـا أطقـتُ فراقَــهُ
فكيـف وقــد أيقنــتُ ألا تلاقيــا

لـو اني إذا ناجيتُ نفَّسْـتُ كربَـتي
إذاً بلغت نجوايَ أقصى رجائيــا

وأسبلتُ من حزني دموعَ حمائمٍ
وناجيتُها حتـى تمـلَّ التناجيــــا

ولكنني ما إن ذكرتـك خالـــداً
تحملني ذكراك أضعاف مابيـــا

لقد عشتُ حيناً لا أرى بيَ حاجةً
لأكتب في تلك الجسوم مراثيــا

فإن مات زيدٌ أو قضى عمــروُ بعدَهُ
أقول استراح اليوم من كان عانيـا

وكنت أعـزِّي الناسَ فـي كــلِّ مأتمٍ
وجلَّ مصابـي مـن لــه بعزائيـا ؟

وعادتْ بيَ الذكرى نضـارَ شبيبةٍ
فقدتُ وهل في الناس مثلُ مصابيــا

لو اني رويتُ القلـــبَ منه بضمَّـةٍ
لكنتُ حبستُ اليومَ بعضَ بكائيـــا

أخالــدُ ما في العيش إلا مــرارةٌ
أُجرَّعُها ذكرى فلا عشتُ صاحيـا

أخـالدُ ما في الكأس إلا بقيــةٌ
لعـلَّ زمانـي أن يعيدَ التَّساقيـــا

15 /1/2006