تنهيدة - محمد نجيب المراد

عيونُها تسبيحةُ السَحَرْ
وشَعرُها ... قراءةُ النسيمِ للشَّجرْ.
وثغرُها .. ما قاله العُنَّابُ ... واختصَرْ.
وخَدُّها ... اللهَ من خدودِها...
ما خبّأ الوردُ الحيِّيُ من خَفَرْ.
***
تمشي ... فتمشي خلفها الأنهارُ
والغاباتُ والغيومُ ... ثم ينزلُ المطرْ.
كلامُها ... بوحُ الفراشِ للزهورِ...
ثمَّ دمعُهُ ... إذا انهمرْ.
وإنْ تنفَّستْ...
فلا تَسَلْ عن دورقِ العطورِ فجأةً كيفَ انكسرْ.
***
وإن تبسَّمتْ...
مُدَّتْ ولائمُ الخيالِ والصورْ.
تأتي مدائنُ الفيروزِ من شواطئِ القمرْ.
بيوتُها من لؤلؤٍ...
قبابُها من مرمرٍ... أبوابُها مُرصَّعاتٌ بالدُّرَرْ.
ووشوشاتُ الطيرِ...
تنقشُ السماءَ....
ضوءً سائلاً مقطراً، فَيُشْدَهُ البَصَرْ.
للغيمِ ريشٌ طائرٌ....
يَحطُّ فوَقَ قمةٍ مُدغدغاً بذيلهِ الشلالَ عندَ المنحدَرْ.
وللمراعي شهقةٌ وزفرةٌ بصدرِها....
وَدَقَّةٌ عليه في أكفِّها...
ونظرةٌ إلى السماءِ ... علَّ من خَبَرْ.
إذا تبِّسمتْ أميرتي تأوَّهَ الحَجَرْ.
إذا تبسمتْ أميرتي تَغيَّرَ الزمانُ والمكانُ والبَشَرْ.
***
ماذا يقولُ شاعرٌ إذا تَأَوَّهَ الحَجَرْ.
ماذا يَلُمُّ من حروفِ الماءِ لحظةَ انبجاسهِ...
ليَغِزلَ الرَّذاذَ ....
معطفاً من الحريرِ والوَبَرْ.
وكيفَ يأسرُ اندهاشَهُ بإصبعينِ في حَذَرْ.
يَدُسُّهُ في إبرةِ الجمالِ...
كي يَخيطَهُ...
قصيدةً، قميصُها مُطرَّزُ الأكمامِ ... بالزَهَرْ.
***
قد قُلتُ عندما تأَوَّهَ الحَجَرْ :
هذي شراييني أمامكِ أبحري..
سُفُناً من (التوليبِ)...
قلبي مرفأٌ لكِ فوقَ ضِلعيهِ انتظرْ.
دوسي على أعشابِ كِبْدي تارةً
وتَنَزَّهي...
بأزقَّةِ الرئتينِ ... تاراتٍِ أُخَرْ.
إني لأسمعُ هسهساتِ القُرطِ ... قُرطِكِ...
من "معثكلتي" .... عَبَرْ.
***
ما هذهِ اللغةُ التي قد أتقَنَ الزَغَبُ – الحريرُ...
كلامَها ... لمّا اقشَعَرّْ.
ما طعمُ هذي المفرداتِ...
عصيرُها كالشِّعرِ...
كنت أظنُّ أنَّ الشِّعرَ...
أحلى الشِّعرِ ... من شفتِي انعصَرْ.
ما هذه الأهدابُ من قَزَحٍ...
وما هذا الوترْ.
***
ما ذلكَ الإلقاءُ ...
إذ صَعَدتُ عيونُكِ مِنْبري...
وَشَدَتْ قصيدتَها مُقفّاةً على بحرِ النَّظَرْ.
بلْ كيفَ يأتي الياسمينُ...
علي أصابعِهِ إليكِ ليسمَع الإنشادَ..
يمشي حافي القدمينِ...
كي لا يُزعجَ الوردَ استبدَّ به السماعُ...
فهزَّ رأساً كان أضناهُ السَّهرْ.
***
رِفقاً بما تُملينَ من سِحْرٍ على قلبي...
فَدفترُهُ انشطرْ.
ما عُدتُ أعرفُ كيفَ أبدأُ أسطري.
بينَ الفواصلِ نبضُ صوتكِ ...
يُرضِعُ الكلماتِ...
يُنطُقها على مهدِ القصيدةِ...
بل يُعطِّرها ...
يُمشِّطُها...
يُشكِّلُها بكُحلِ النحوِ
يُلبِسُها أساورَ من بديعٍ...
بل يواعدُها على "كورنيشِ" قافيتي...
فتأتي مثلَ وعدٍ مُنتظَرْ.
***
لمّا تَغَرغرَتِ الحروفُ بنظريتكِ...
مَلَكْتِها ... ولسانَ مزماري مَلكتِ...
وكلَّ ما تحتَ اللَّهاةِ ....
فكيفَ لي أنْ أملكَ الشِّعرَ...
الذي قد كنتُ بالإيجارِ أسكنُهُ...
ولولا أنتِ ما كانتْ بيوتٌ من رخامٍ أو حَجَرْ.
***
الليلُ يحملُ في قطارِ الحبِّ أَنْجُمَهُ ...
ويعتزمُ السَّفَرْ.
والبدرُ لملمَ في حقيبتِهِ...
عباءاتِ الضياءِ وجَرَّها بيمينهِ ...
مستأذناً بالانصرافِ كما حَضَرْ.
والبحرُ أطفئ نورَهُ ...
أرخى ستائرَ موجهِ ... استلقى...
وشَدَّ لحافهُ ... وليَ اعتذَرْ.
والصمتُ يبلعُ ريقَهُ...
متشرنقاً ثوبَ الخَدَرْ.
***
وأنا هناكَ محاصَرٌ...
فالليلُ يتركُني
والبدرُ يهجرني
والبحرُ يلفظُني
والصمت يأكلني
وأحزاني تَجَمَّعُ كالجواهرِ في صُرَرْ.
***
وأنا هناكَ ...
ونهرُ جرحيَ بانتظاركِ أورقَتْ أشجارُه...
بلْ إنّ كَرْماً عند إحدى ضِفَّتيهِ قدِ اختَمَرْ.
وَتَشقَّقتْ أقدامُ ذاكرتي...
تهرولُ فوقَ رملِ الشوقِِ
تبحثُ عنكِ...
عن رسمٍ لخطوكِ أو أَثَرْ.
عَبَرَتْ على جسرٍ من الخشبِ المُقنَطَرِ فوق جرحيَ...
نسمةٌ لكِ صِحتُ وجداً إثرَها...
أينَ المفرّْ ؟
****
قَدَري انبهاري فيكِ فامتلكي كما أحببتِ قلبي...
إنني أنا مؤمنٌ بقضاءِ ربّي والقَدَرْ.
أنا مؤمنٌ بقضاءِ ربّي والقَدَرْ.
****