عش ما تشاء وراقب فجعة الأجل - أبو مسلم البهلاني العماني

عش ما تشاء وراقب فجعة الأجل
سينقضي العمر في بطء وفي عجل

تلهو بتصويرك الآمال مغتبطا
وبين جنبيك ما يلهي عن الأمل

تناقلتك ليال غير راجعة
وما تجاهك يوم غير منتقل

ماذا يغرك من دنيا نضارتها
نهب المنون ومجراها الى الزلل

قالوا دسائسها في طي زخرفها
وقلت قد صرحت بالسم في العسل

لم تخف عيبا ولم تأخذ مخالسة
ولا الهناء بها الا على علل

هل في مصارع أجيال بهم فتكت
عذر المحيل عليها شنعة الأمل

فما التهافت منا في مهالكها
جهل بماض ولا علم بمقتبل

ما باينتك عواديها مصادقة
ولم تعاهدك أمنا غارة الغيل

رأي الركون الى افاتها سفه
وصفوها بين نابي مهلك جلل

ما شأن صولاتها البقيا على أحد
وانما أجل يتلو خطى أجل

بئس القرارة أهنى عيشها رنق
ينتابه الحتف بالابكار والأصل

انجاز ايعادها بالموت منتظر
والقول عن مقتضاها غير مفتعل

ما أصدق العلم بالغدر المشوب بها
واكذب الظن في التغرير والأمل

خسيسة الطبع بالأكدار طافحة
ختالة تخلب الألباب بالحيل

لا تستقيم لريعان الشباب ولا
لرائع الشيب منها لحظة الجذل

تضيع عمر بنيها تحت عرتهم
بها وحاصلهم منها على دغل

تزال تنبت نفسا ثم تأكلها
وانما يحرث الحراث للأكل

تسعى جنائزها بجرا حقائبها
مما انتهبن بحرب الصبح والطفل

ما بين صادرة في وجه واردة
ينتبن فل بقايا غارة الأجل

ما بالنا ومطايا الموت تنقلنا
نلهو بما قيل "ان العز في النقل"

ان الملاط الذي نبني البلاط به
رفات من نقلت بالأعصر الأول

لو كان تقديرنا تخليد قاطنها
لأوجب العقل أن تلقى على العلل

فكيف وهي حياة لا عتاد بها
مغمومة بالشقا والويل والهبل

أضحية الحتف لا ترجو مغادرة
والأرض تبلع والجزار في العمل

كم زفرة لنعي ما أذنت لها
ولا مشفعة من صارخ صحل

زمازم الموت في الأذان صادعة
لكن الى فبب الألباب لن تصل

يا رب نادبة ما جف مدمعها
وعينها في نظام الحلي والحلل

حتى متى نحن والآجال تحفزنا
والجد والهزل منا تابع الأمل

شمس المعارف يا سلطانها كسفت
كسوف شمسك عن صبح وعن طفل

والاستقامة في كسر مزلزلة
يا جابر الكسر أدركتها على الزلل

تمضي وتترك هذا الدين في جزع
والأرض مظلمة والدهر في خبل

من للحنيفة يا قيامها علم
يهدي اليها ومن يحمي من الغيل

من للشريعة قد قامت قيامتها
ومن يسدد منها موضع الخلل

قد كنت فيها مكان الروح في جسد
وقمت فيها مقام السيف في الخلل

من للطريقة من يصفي مشاربها
للسالكين كؤوس العل والنهل

قد كنت حاديها تحدو ركائبها
بنغمة لحنتها زمرة الرسل

رجعت صوتك فاشتاقت معاهدها
واليوم تصغي لمن يا حادي الابل

ياذا العلوم اللدنيات موهبة
هل أنت في الرمس أم في حبرة النزل

خلفت علمت فينا أم رحلت به
اني اشاهد نورا غير منتقل

نعم تعقب نور أنت مشعله
ونور وجهك في الفردوس كالشعل

تلك العلوم التي أوعيت جوهرها
قلبا بحب جمال الله في شغل

ما زلت تسلبح في القرآن ملتقطا
در المعارف لم تضجر ولم تحل

حتى ملأت مراد العقل معرفة
ممدودة الفيض حتى لحظة الأجل

وفزت بالسنة الزهراء محتويا
على الاشارات والتفصيل والجمل

وجئت بالدين والأحكام مكتشفا
للنقل والعقل كشفا غير ذي دخل

مستنبطا أوجه التأويل رأسخة
على النصوص مصونات عن الزلل

من الكواكب في وعد وفي شرف
وفي ارتفاع واشراق وفي مثل

ما فاتك العمر لكن نقلة حتمت
الى مقر وعمر غير منتقل

ولا انفصلت عن الدنيا وقد وصلت
لك المعارف محيا غير منفصل

ولا اعتزلت عن الدنيا لضرتها
الا وأنت عن الدنيا بمعتزل

تركت زخرفها للغافلين ولم
تحفل بها في مضيق العيش والغفل

عاملتها بمراد الله منحرفا
الى نصيبك من عقباك بالعمل

فما تقيلت منها قدر أنملة
ولا أدخرت سوى الحسنى لمقتبل

ولا نظرت إلى فتان رونقها
الا بما تنظر المحتال في الحيل

ولم تصدك عن علم ولا عمل
ولا سرور ولا سم ولا عسل

ياطائرا طار ما أضفى قوادمه
نجوت من قفص في حكم محتبل

وقفت لله من دنياك في عطل
فلتسرع الآن بين الحلي والحلل

أجهدت نفسك في مرضاة خالقها
يا مجهد النفس اربح رحمة الأزل

اربح فديتك ما قدمت موجبه
نعم البضاعة لم توزن ولم تكل

أحمد سراك فقد أصبحت أن يدا
قد باركت فيك لا تكدي ولم تزل

أحمد سراك فقد طالت متاعبه
وقد حللت خيام الحي فاعتقل

قدمت خيرا فلم تعدو جوائزه
ان الجوائز عقبى صالح العمل

أوقدت نفسك في المحراب مشتعلا
فأسرع الآن نحو الكوثر اغتسل

أوقدتها بالرجا والخوف معتجلا
يا برد الله مثوى الواقد العجل

تنحو المقامات والزلفى بمسلكها
وقد وصلت ولولا الجد لم تصل

نلت الكرامات لم تصدعك منتها
عن الشهود ولم تعجب ولم تمل

ان الكرامات أوثان لمشتغل
بها عن الله أو مكر بمشتغل

ما فاتك الفهم من مولاك اذ سفرت
لك الدقائق أن يعمل وان ينل

وكل موهبة قدرت موقعها
بالشكر لله في حزن وفي جذل

وصبرت الصبر لا تنحل عروته
عند البلاء ولا يدنو من الفشل

هما مقامان كنت العدل بينهما
توفيهما الحق لم تبطر ولم تبل

حصرت ما عند أرباب القلوب فما
مقام حالك الا دولة الدول

يا من أفات فؤادي الرشد من حزن
عليه أصلحه لي يا شافي العلل

لا غرو أن تشفي الألباب من مرض
بسر قلب بنور الله مشتعل

أعطيت قلبا بحب الله ممتزجا
له التصرف في فعل ومنفعل

في قبضة الحب يطويه وينشره
فالسر في الحب لا في الشكل والعضل

ارسل فديتك روحا شاملا أملي
من سر روحك واجمع لي به شملي

فان أرواح أهل الله فاعلة
بقوة الحق لا بالحل والنقل

لها الكرامة في الكونين موصلة
في القبض والبسط وصلا غير منبتل

ما كان رأيك في الدنيا وقد فقدت
أسرار يمنك مثل العرض الهطل

رعيتها ووصايا الله آونة
فانظر رعاياك قد هامت مع الهمل

خلفتها ووصايا الله ثاكلة
والفضل والعلم والاسلام في وجل

متى أهديء قلبي من تسعره
ورنة الملأ الأعلى على زجل

يا حاملي نعشه مهلا بمحملكم
كيف احتملتم رزايا الرحلة الجلل

تدرون من تحمل الأكتاف ما حملت
من بعده هذه الأكوان من ثقل

سيروا رويدا فكل العالمين به
دفن العوالم لا يقضى على عجل

ذروه يقضي من المحراب حاجته
اني أخاف على الدنيا من الخبل

ذروره للأمر بالمعروف محتسبا
للنهي عن منكر قد عم كالظلل

ذروه للعلم يجليه فقد سقطت
بنا الجهالة في الآبار والدغل

ذروه يقطع أعناق الشقاق فما
نحن البقية غير العصبة العزل

ذروه يرجم شيطان النفاق فما
ابقى مريدا رحيما غير منجدل

ذروه تبكي عليه كل مكرمة
فانها بعده تحيا على ثكل

ذروه أبكي عليه ما حييت فان
أمت بكى في البلى عظمي بلا مقل

ليت البكاء أفاد الحي ما فقدت
عيناه لكنه فقد بلا أمل

يا راحلا عن بني الاسلام تاركهم
وللكآبة فعل السيف والأسل

وودع معاهدك الزهراء إن بها
غما لو احتل غمر البحر لم يسل

ودع رجالك قد بانت عقولهم
إن راجع العقل من توديع مرتحل

ودع تصانيفك الحق المبين فقد
صار المداد حدادا غير منفتل

فوامصاباه ان ودعت مرتحلا
وما وراءك للإسلام من بدل

لفوك في كفن ماذا تريد به
وأنت من نور حب الله في حلل

وأودعوك ترابا لو تفوز به
حور الجنان لأفنته من القبل

ماذا الرثاء وفي القرآن صادعة
تثني على اخر الأبرار والأول

الا شجيا عقيب الظعن يندبهم
ومقلة أوقفت دمعا على الطلل

وما رثيتك تذكارا لمحمدة
خلدت حمدا وان كان الزمان بلي

سقى الاله ربوع الزاب ماطرة
من رحمة الله بالابكار والأصل

وباشرتك هبات الله دائبة
بعارض من عظيم الفضل منهطل

وروح الله بالرضوان روحك في
منازل القرب والاسعاد والنزل

وواصل الروح والريحان ذاتك في
أزكى سلام من الرحمن منهمل

ونسأل الله غفران ننال به
رضوانه في جوار الله والرسل

نشكو اليك ولي الله وحدتنا
وعيشنا بين غل الدهر والكبل

الله الله يا أهل القلوب ففي
قلوبكم نظر الرحمن في الأزل

لا تتركونا مع الأهوال ان لكم
نصرا من الله وحيا غير منخذل

خذوا بأيد قصار انها بكمو
تطول وانتشلونا من هوى الفشل

توجهوا لجمال الله وانتدبوا
للغوث يا أولياء الله في عجل

أين انتصاركم والملة انطمست
والأمة التبطت في فخ مهتبل

صلى الاله على أرواحكم وسقى
اجداثكم رحمة بالرائث الهمل

نرى مصارع قوم جل فقدهم
كفقدنا في الملاهي صالح العمل

نفني الدموع ونرثي من نظن به
ومالنل برثاء الرشد من شغل

كأننا في أمان من مصارعهم
أو المنايا عن الأحياء في كسل

كلا ولكنهم صاروا لنا فرطا
والركب مرتحل في اثر مرتحل

ومن تكن هذه الساعات أنيقة
قضى المسافة لم يملل ولم تطل

فقدت نفسي فخلت الدمع سال بها
والعهد بالنفس قبل اليوم لم تسل

وليس بدعا اذا ذابت بفادحة
ذابت عليها صخور السهل والجبل

حمت لنا حزرة لم تبق من خلد
بغير خالدة الأحزان منفعل

ما كنت أحسب أن أحياء وادركها
يدا تقلد جيد المجد بالعطل

أبكت سماء وأرضا وهي ضاحكة
على السلامة ان طالت ولم تطل

وليتها حيث أبكت كل كائنة
رقت بقلب من التهويل منذهل

ماذا نحاول من ريب المنون اذا
قلنا حنانيك أو سيري على مهل

أبعد ما طحنت أجيال أولنا
يبقى الأواخر في البقيا على أمل

أم بعد اعجالها الأبرار تنسفهم
نسف الزعازع ننهاها عن العجل

هيهات يرقأ دمع من مصائبهم
أو يصبح الكون منهم مقفر الطلل

أما تراها سهاما تنتحى كبدا
مقروحة وجراحا غير مندمل

لا تترك الجرح الا ريث تنكئه
ولا تسعر قلبا غير مشتعل

نقارع النفس والشيطان ينصرها
وما لنا بقراع الموت من حيل

في كل ناد نداء الموت مصطخب
وكل دار بها دور من الأجل

فلا نؤسس صبرا غير معتقر
ولا ندافع صبرا غير معتقل

لو دافع الصبر حزنا ثم اذهبه
لكنت بين رجال الصبر كالجبل

لكن من الخطب خطب لو يقاومه
صبر الجليد انثنى بالدحض والفشل

فقدت كفل اصطبار كان يكفلني
في النائبات فخان الآن مكتفلي

فليس بعد مصاب الدين من طمع
في الصبر أو الجزع بالصبر منعزل

يا ناعي الدين هل أبصرت من بقيت
فيه بقية رشد غير منذهل

غادرت في أنفس الأكوان حشرجة
فان قضى الكون فاستسلم ولا تسل

لا غرو إن فاضت الأكوان آسفة
لفقد فرد على الأكوان مشتمل

يا ناعي الغوث هل لاقيت من خلف
ممن نعيت وهل قدرت من مثل

يا ناعيا سيد الأبرار هل تركت
بالله فينا المنايا اليوم من بدل

يا ناعي القطب من ذا قام موقفه
فصار قطب مدار العلم والعمل

نعيت فردا أم الدنيا بأجمعها
إني أحس بدهش شامل جلل

إني أحس بدهش غم كاربه
حتى الملائك حتى برزخ الرسل

تنعى ابن يوسف فتح السالكين وخ
تم الواصلين مربي الأنفس الكمل

محمدا مدد ألأمداد روحهم
مروع النفس أن يعمل وان يقل

مقدس الشرفين المطعم الجفلى
كافي الكفاة المرجى طاهر الخلل

مرزء الأرض خلاها وحل بها
لك السلامة لم تحلل ولم تحل

نعم حللت قلوبا لا تزال بها
فأين أنت وفي الألباب لم تزل

بل أنت في الرفرف الأعلى وغبطته
في البشر والروح والريحان والجذل

لقيت وعدك من حسنى مخلدة
ونحن للفقد في الأحزان والوجل

يا خير من حل في الدنيا ليصلحها
من ذا تركت لها يا خير منتقل

ناصحت ربك في تعزيز ملته
فلتنصح اليوم ندبا خيرة الملل

قد كنت رحمة هذا الكون تنفعه
خليفة قائما عن خاتم الرسل

هلا رحمت قلوبا ذاب معظمها
حزنا عليك وقد سالت من المقل

فاجبر مصابك فينا اننا بشر
فينا افتقار إلى أنفاس كل ولي

جردت نفسك للاسلام تخدمه
في جد محتسب للهول محتمل

تقارع الزيغ والأنوار بارقة
وأنت في نجدة والخصم في فشل

كم حجة بسطت بالبطل أيديها
صدعت بالحق فيها فهي في شلل

كم مشكل أعجز الأفكار جئت به
صديعة الفجر نورا واضح السبل

كم معضل كشفته منك معرفة
ذات انبساط بنور الله مشتعل

كم قاطع في سبيل الله يمنعها
رميته بشهاب منك مختزل

كم جاهل ملأت ضوءا بصيرته
بصيرة لك تدعى الشمس بالحمل