نكسى الأعلام يا خير الملل - أبو مسلم البهلاني العماني

نكسى الأعلام يا خير الملل
رزيء الاسلام بالخطب الجلل

وانتثر يا دمع أجفان التقى
قد أصيب العلم واغتيل العمل

وانفطر يا قلب واستقص الأسى
ان حبل الدين بالأمس انبتل

أشعل البرق علينا جذوة
فانطفا واتقدت فينا الشعل

حمل البرق مصابا فادحا
ليته أعياه حملا ما حمل

يا رجال الدين هل جاءكم
ان بدر الدين في الارض افل

يا رجال الدين لا تهنأ لكم
فرصة ان مصاب الدهر حل

يا رجال الدين لم ينزل بنا
فادح أعظم مما قد نزل

يا رجال الدين أهلا بالقضا
غاض هذا البحر واندك الجبل

يا رجال الدين ما هذا الأسى
والأسى بالعقل والعقل ذهل

يا رجال الدين ما حسن العزا
عن فقيد في السما والأرض جل

ربما اعقب فقد بدلا
وفقيد العلم ما عنه بدل

ان موتا وحياة حتما
قبل هذا الخلق في لوح الأزل

والتماثيل التي نهذي بها
صور يخلقها سحر الأمل

كل ما نهفو اليه عبر
لو فقهنا الشأن أو ضرب المثل

ما يريد الحتف من أرواحنا
يتقاضاه بكورا وأصل

انها مستودعات أقتت
لا يزاد العمر شيئا ان كمل

يا لعمر ناصبته آفة
تهدم المحيا وتزري بالحبل

بئس عمر حتم استرجاعه
ريثما حل رأيناه قفل

وحياة وعدت ريب الردى
كيف يغتر عليها من عقل

وهي في برهتها مرذولة
حشوها لو فكر المرء العلل

خلق العقل لدرك المنتهى
فتناسي وتلاهى وغفل

ليس من يجهل منا حاله
لمحة تمضي وعيش يختزل

انما الشأن اغترار حاكم
سلب الألباب واستدعى الأمل

ونفوس راقها من سوئها
رنق العيش وفي العيش الغيل

هذه الدنيا وهذا أمرها
تندف الأعمار ندفا لم تزل

كشفت عن قبحها في حسنها
وراتنا السم في هذا العسل

لم تغادرنا على مشتبه
في التفاصيل ولا طي الجمل

أيها العاقل لا تحفل بها
سوف ترمي بك من رأس جبل

قد بلوناها ولكن سحرها
ينزل الأعصم من أعلى القلل

هكذا تخبطنا فتنتها
بينما نأنس منها بالحيل

كل ما يحسن منها عطب
وهو من لا شيء في القدر أقل

أصدق الأنباء عن خستها
ليس ما ينقل عنها مفتعل

لم تسالم جاهلا في غيه
لا ولا عالمها الحر الأجل

كل حي السعته حمة
أعيت الراقي فيها والحيل

رقمت آياتها في عبر
بقرون طحنتهم ودول

لا تبالي بك في بطشتها
كنت رب التاج أو كنت خول

يا رجال العلم اودى قطبكم
بل جميع العلم اودى والعمل

فتكت بالسالمي المرتضى
غارة شعواء ما عنها حول

فتكة أورثت الأرض البكا
والسموات وما فيها استقل

فتكة لم يحم منها جيشه
لا ولا دافعها وقع الأسل

عجبا من نعشه تحمله
فتية وهو على الكون اشتمل

جمع العالم في حيزومه
اترى العلم في القبر نزل

يا ولي الله اذ ودعتنا
فمن الآن عليه المتكل

من يحل المشكلات المرتجى
حيث لا ينفع من دق وجل

من يجلي ظلم الجهل ومن
ينصر الدين اضطلاعا للجلل

من يهد الخطب من فورته
من يقيم الوزن من يشفي العلل

من يقود الأرعن الجرار في
نصرة الله على عزم الرسل

من يدير الحرب عن رأي له
سعة البحر اذا ضاق المحل

من على المعروف وقف نفسه
وبه النكر تولى واضمحل

من لبذل العدل والاحسان من
يحمل الكل ومن يعطي النفل

كلها خلفتها ثاكلة
يا عميد الدين تبكي من كفل

قمت لله بأمر عجزت
همم الأبطال عنه فاستقل

فأتت معجزة خارقة
جدها الرعب وأنواع الفشل

فدعاك الله منه دعوة
ليكافيك على هذا العمل

قمت في خدمته محتسبا
آخذا بالحق في أي محل

درجات الخلد قد بلغتها
وسمات المجد في الدهر مثل

غير أنا في زمان حالك
ضل فيه أغلب الناس وزل

كنت فيه الشمس نورا وهدى
وارتفاعا وانتفاعا بل أجل

كنت فيه خلفا للمصطفى
خير من قاد الى الحق ودل

كنت للناس ربيعا وحيا
كنت للأكون غوثا وبدل

مجهدا للنفس في نشر الهدى
خير من وفي واندى من بذل

صابرا في منشط أو مكره
ثابت العزم شديد المكتهل

احمس الصفحة موهوب السطى
باهر العزمة مأمون الزلل

شاسع النظرة لا يقصرها
زخرف الدنيا وجاه وخول

راجح الايمان معصوم الخطى
قوله الفصل وان قال فعل

سائر بالجد حتى نلته
" كل من سار على الدرب وصل"

في سبيل الله انفقت العنا
في مراد الله أنفقت العمل

في سبيل الله لم تحفل بها
أسقيت الصاب أو كأس العسل

في سبيل الله تدعو جاهدا
لتقيم القسط أو تلقى الأجل

في سبيل الله أجهدت القوى
لم تحد ان جد خطب أو هزل

رافعا ألوية العلم الى
ان دنا كيوان عنها وزحل

ونصرت الله حتى انه
لك من أهل السما الجند نزل

ولقد يجدر من أهل السما
نصرة القائم في خير النحل

تلك بدر نزلوها مددا
وعلى بدر قياس يحتمل

هم وجبريل على حيزومه
بالتسابيح لهم فيها زجل

نصروا الله بجيش المصطفى
فانثنى بالخزي اشياع هبل

وفتوحاتك سر مدهش
ظهرت فيها الكرامات الأول

يا ولي الله اني نادب
لك ما دار بكور وطفل

طالما أملت ان يجمعني
بك هذا الدهر فانسد الأمل

لهف نفسي ما الذي أقعدني
عنكم غير الذي أعيا الحيل

كلما أزمعت ترحالا قضى
لي بالتثبيط دهر مهتبل

والى أين ارتحالي بعدما
أضلم الجو وأوحشت الطلل

كنت أرجو نظرة في حالتي
منك فالآن رجائي معتقل

كنت في قيد شديد حله
ضوعف اليوم بغل وكبل

يا أبا شيبة من أرجو لها
حسبي الله اذا عز وجل

يا أبا شيبة عز الملتقى
وقطين الرمس مقطوع النقل

يا أبا شيبة عزت حيلة
عن دفاع الموت أو وصل الأجل

لو فرضنا ان ميتا يفتدى
لغدت روحي أدنى مبتذل

غير ان الخلق فيه أسوة
أجل يأتي على اثر أجل

تقتضي الموت حياة حددت
ولو استعلت على برج الحمل

يا فقيد الفضل عندي اسف
سل عن النار وعنه لا تسل

ذهب الصبر ولو حاولته
وجميل الصبر احرى بالرجل

ما نعاك الكون حتى نعيت
غضبة الاسلام والكفر بجل

ما حميد العيش من بعدك في
هذه الدنيا وما معنى الجذل

والبكاء المر لا يشفي الجوى
لو طفقت الدهر استمري المقل

كل فقد دخلت فيه عسى
وهي في الموت محال كلعل

ما فقدناك هماما مفردا
بل فقدنا الخير في كل محل

ما فقدناك وعرفانك في
صفحات الكون ضوء يشتعل

ان رب العلم حي خالد
ولو ان الذات بالموت انتقل

ما تركت الكون حتى تركت
خطة الحمد لك الحمد الجلل

سيد العرفان دهري مأتم
فيك ما أشرق نجم أو افل

اخرس الهول لساني في الرثا
ولساني حده يفري الجبل

ما هنئت العيش مذ فارقته
وهنيئا ً لك عيشا لا يثل

ما هناء المؤمن الحق على
صدعة الدين وما برد الغلل

انا لا أعلم رزءا فادحا
كمصاب الدين أو نقض الكمل

يرفع العلم برفع العلما
وارتفاع العلم هلك وخبل

يا رمى الله يد الموت على
أخذ عبدالله رميا بالشلل

ويلتاه استأثر الله به
وبقي العلم على ظهر أزل

أكرم الله به أمتنا
برهة ثم دعاه فرحل

يا لها من رحلة ما تركت
خلفها من كرم الا انتقل

يا لها من رحلة صحت بها
غربة الاسلام في أزكى محل

أمة الخير لكم حسن العزا
انها داهية أم الغيل

بعد عبد الله يبقى أمل
للهدى هيهات قد شط الأمل

خلها يا ابن حميد تلتوى
فتنة عمياء كالليل المضل

ليس يغني عنك فيها أحد
طمست اذ ذهب النور السبل

وهنئيا لك بالفردوس في
جيرة الله على خير نزل

ان عاما نابك الحتف به
عام سوء وبلاء ووجل

فأتى تاريخه بحزن
نكسي الأعلام يا خير الملل