داليا - سيف الرحبي

أقتفي أثرها في حقول اليباب
من برج الى قلعة
ومن مدينة الى أخرى
أثرها العميق في جسدي
جراحها النازفة من قلب أيقونة
المضيء أسفل السّـرة
كنبعٍ في ظلام الغابة.
ينهمر مع كل خطوة أخطوها
مع كل محطة
أغامر باتجاهها.
هكذا مرّت أسراب الأزمنة
ملوّحة بأعلام مكسورة
وأياد ترتجف
من فرط ما قَسَتْ عليها المحبّة.
مرّ بدوٌ كثيرون على جِمالهم
مرّت قافلة السيرك
تتقدمها كلاب مسعورة
ومهرّجون بأصباغ وأساور
مرّ الطلبة والعمال
صبيحة يونيو
في شوارع القاهرة المُزحمة
مرّ الكائن بهباء أحلامه وقضاياه.
أقتفي أثرها
من مدينة الى أخرى مُحتلاً بآهاتها
وهي تتقلب بين ضفاف مسحورةٍ
عرّش فوقها نباتُ الجنس
كطحالب مخضّرة علي أديم المياه
أو كحيوانات بحرّية
تدلف كهوف القاع
ناعسة حتى الإرتخاء الكاملِ
في ممالك المرجان.
أسبح وحيداً
متشرداً
في الأصقاع الموحشة
تغمرني المياه المالحة
أحلم بالضفاف
كقرصان تعب من التجديف
وسط العاصفة
أصغي الى الضفادع
حادية الليل
منتشية بنداءها الأزلي.
أصغي الى عويل الصحراء
يتقدم المشيعون مواكبَها الجنائزيّة.
لم أحلمْ بعد ذلك
كانت الأبديّة تتمدّدُ
متثاءبةً على السرير
الأبديّة المضجرة.
لكن القارب أبحر من جديد
من غير شراع ولا مجداف
عبر بحار الزنج ربما
تلك التي دوّخت المسعوديّ
وحطّمت أشواقه
بأعصاير شياطينها المترحلّة.
والتي عبرها ذات يوم
سعيد المرجبي، العُماني الذي لقبّه
البريطانيون (بتيبوتب)
سعياً وراء الثروة والجاه.
عبرها الأندونيسيون القدماء من جزُر
الواق واق
باتجاه مدغشقر
عبرتها شعوب وأجيالٌ
غرقت في اللجج السوداء
قبل أن تصلْ.
أقتفي أثرها
في صرخة الوداع
بدموعها الحرّى
كجيش أطياف يلاحقني باستمرار..
كنت في المطبخ
في ذلك اليوم المعتم من شهر آب
أرى البحر من نافذتي
والسماء الزرقاء بحيواناتها النائمة
أرى الوجوه تتلاشى دائماً
باتجاه المغيب
حين انفجرَ ضوؤها
من قلب تجرفه الأعاصير والأشواق
حيّتني وتوارت
خلف غلالةٍ من ضَباب