يا بحرُ كيفَ قتلتَنا ..؟؟ - يوسف الديك

بأيِّ قلبٍ تعبرينَ شوارعَ الصّمتِ المكابرِ في المساءْ
بأيِّ نبضٍ ..تقتليني خلسةً ..
باسم الشقاوةِ والشقاءْ
بأيِّ .. حرفٍ يبدأ التأريخُ
بالوجع المرادف للصهيل وللبكاءْ .
النهر ...هذا النهر يُدرك حزنَنا
ويوائم النمطيّ فينا...بالغناءْ .
النهرُ يُدركُ ..أنّهُ وطنٌ يسّحُ
على شفاه المشربية دمعُنا
وطنٌ .. توضأ إذ تطهرّ بالدموع وقد تعطّر بالدماءْ
لا شيء يحملنا إلى الماضي سوى أنّا هنا كنّا وُلدنا
ماؤنا ..وهواؤنا ..وسماؤنا
ولنا ...هنا
وهنا ..لنا ...
نزف النشيد / ملاحم الأبد المعاصر جرحُنا ..
وملوحَة الأسماءْ .
يا بحرُ خذني موجةً في مائك العالي
ولا تكتب على ضلعي وصايا حفلة التأبين
واسمع صوتَ جُرحي ..
كلّما أزِفَت على التنهيد أشرعةُ اللقاءْ .
عاد المسافر لم يجد بيتاً بحجم القبرِ
يأوي في الشتاء عظامَهُ
وحبيبةً كبرت مواسمها
لتحرس في الرؤى أحلامَهُ
وإذا ينام ..تهدهد ضلعه الغافي
على درج النعاس وتحسب بالدقيقة دمعَها ومنامَهُ
هو لم يَعُدْ إلاّ ..لأن البحر عاد مضرجاً بالحلم
صبّ رموشها وسناً .. يترجم في الهزيع غرامَهُ ....
هو لم يَعُدْ ...لكنه في الحلم صادفها ..
فقبّل نرجس الخدين مرتجفاً
إذ ارتشف الرحيق كأنها ردّت إليه مع الرحيق عظامَهُ
وطني ...سمعتك ضاحكاً في الليل ...
لكن لم أصدّق ..
كنت تبكي أيّها الوطن الجريح
على بنيه وعاشقيه ومورثيه القهر
حين تنكرّوا للبيلسانِ وزيّفوا أنسامَهُ ...
لا تنسني يا بحر / تلك عادتك القديمة
أنت تنسى جيداً أنّ المرافئ تنتظر أبناءَها
حيفا .. كذلك تنتظرْ !!
ومياهك الزرقاء تنسى دائماً
أن المراكب حين مالت قاومت موجاً عليها ينكسرْ .
لكنّ تلك خطيئة الأمواج ..
أشرعة محطمة ،
أجساد بحّارين تطفو بعد أيامٍ،
تجفّ على الشواطئ
لا تكفّ دموع أيتامٍ ،
لنَنْساها .. وتَنسى ....
كي تعيد خرافة التاريخ فينا
يا قصائدنا العصية في حروفك
حين نغرق يا قصائد كفّنينا
ليتَ للناجين أرضٌ ...
كلّما عادوا إليها صاح أجملُهم / خذينا
تَصْدُق الرؤيا ولكن كيف يُصَدّق الشهداءُ أنّا
أيّها البحر الذي ينسى ..
وقد جئنا لنذكرهم وجدنا ظلّهم يمشي / نسينا
أنت لا تدري ..
وما يعنيك كي تدري زَهَقنا جملة بتسرّب الإشعاع ..
أم أفقنا ميتين.. على حرير فراشنا ..،
جئنا ..ذهبنا ..ما الذي يعنيك وأنت تنسى ..!!
وحدنا متنا على وطنٍ بما نخفي من الذكرى ، !!
أم على الذكرى بلا روحٍ كبرنا
أم على حلمٍ سيقتلنا بلا معنى كأشرعةٍ مكسّرةٍ بقينا ؟
هل تُسفرُ النايات عن لحنٍ خرافيّ النغم ؟
هل تُسفرُ الكلمات عن معنى
إذا قلنا لسيدنا ..نعم ؟
هل يُسفرُ الشهداءُ عن وطنٍ ..
بلا حزنٍ ودمْ ؟
هل أمّنا الأرضُ اشترتنا من أبينا
كي " تربّينا " على جرح الندم ؟
هل .... جِلدنا ورقٌ ..
ليكتب فوقه الزعماءُ كلَّ مذكراتهم بالسيف إنْ غاب القَلَم ؟
يا بحرُ أنت قتلتنا .. !!
وعليك أن ترث الجريمة كلّما غصّتْ بك الأمواجُ ..
وانكفأ العَلَمْ .