الصدى والبوح - خضر محمد أبو جحجوح

إلى الذين رفعوني صاريةَ دمّ
وشراعاً يرفرفُ في سماءِ الوهمْ
ومجدافَ دمعٍ على موج السنين .
::::::::::::::::::::::::
وكنتُ المتيم يوماً
ونورسُ عشقي .. يهاجرُ بيْن السَّرابِ وبين الدموعْ
وبين الصخورِ ، وبين الغيابْ
ويبحرُ عمري التهدّمْ
بيَن العواصفِ ، نَحو احتضاري
قبُيلَ الرجوعْ
ويُطفئُ فيّ الشموعْ
شموعَ انطلاقي إلى الدفءِ رَغْمَ الضبابْ
...
وَرَغمَ الجليدِ
بقطبِ الحياةِ البعيدِ البعيدْ ...
وقلبي يموجُ بطوفانِ وَجدي
ويرفعُ زهرَ الدماءِ على الموجِ صاري
برغمِ دمار السفينةِ بيَن الصخورِ ...
بهذي البحارِ
***
وكنتُ أنوحُ ..
فقلتُ أبوحُ..
حبيبي وراء العُبَاب ، وفوقَ السحابِ
العذابِ
السرابِ
ينادي
بعينينِ دمعُهما المستحيلُ ... ...
عجيباً وحيداً
غريباً فريداً
بريشِ الأمَاني يَمدّ يَديهِ
لقلبٍ تسوّرَ عرشَ السكون ، الفنَاءِ ... تحطّمْ
ويهتفُ .. يَصرخُ .. يبكي
يذرّ الدموعَ على الكونِ عشقاً وبلسمْ ...
حَبيبي يذرّ الحياةَ
الأمَانَ
الأماني
السكونَ ... الضجيجَ .. الضجيجا ...
ويسرحُ .. يمرحُ ..
يمسحُ دوماً بوردِ القرنفلْ
غبارَ التبتّلْ
وشوكَ الزَمانِ
ويشعلُ نارِ اشتباكي معَ الأفقِ
نارَ انطلاقي مِن العُمقِ
يلهبَ صوتي وشوقي
حياتي .. وموتي
ويمسحُ دوماً بناي الشّجونِ
وصوتِ الحنيِن ، ولونِ التوهجِ
ندفَ الثلوجِ
وحزنَ الَليالي ، وعشبَ المروجِ
وبوحَ الخيالِ
ويشعلُ بحرَ الحياةِ بصدقِ المشاعرْ ..
حَبيبي .....
حَبِيبي .....
هوَ البوحُ ... لكنْ ...
** *
وأَخْشى حَبيبي عليكَ النسيمَ
وعتم الوجومِ
وضوءَ النجومِ
وأَخشى عيوني ، وقلبي عليك
وعصف التّجهمِ .. نهرَ الظنونِ،
وصدحَ الطيورِ
وباباً تغلّقَ بيَنَ القصورِ
على فُسحةٍ عبرَ جسرِ العصورِ ..
وأصرخُ .. أصرخ أصـــ .....
ولكن ...
...
يتوه صراخي
يجئُ رُكاماً
عويلاً .. هباءً بقلبِ القفارِ
وأركضُ بيَن الشواطئِ
بين الحياةِ وبيَن المماتِ
غزالاً شريداً .. طريداً .. جريحاً
مصاباً بسهميِن :
وَهْمٍ .. وغَمْ
يَسيلان ..
حزناً.. ودَمْ
...
وأركضُ حَتى .. يطيُر شُعاعِي
صهيلاً بعمقِ البَراري
وأبكي ... وأبكي
تسيلُ دُموعِي صَليلاً.. صَريراً
عواءَ زوابِع
تُطلّ دمائي
تثورُ عَبيراً ، ومِسْكاً..
ألملمُ جُرحي..
ولا جُرح فِيّا...
تلمُّ الغيوم حبيبات دمعي ،.. وقطراتِ دمي
حجارةَ حزنٍ وفرحٍ..
وبعضَ حصىّ من عقيقْ
وتمطرُ فوقَ السَّرابِ سراباً
يُغطي المسارَ ،.. وما من طريق
وغِزْلانُ شوقي الجريحةُ تركضُ
بيَن البراري وبيَن الصّحاري
عَلى شَطّ وَهمي
وفي أفقِ نَاري
وفي عمقِ جرحي ..
وأرفعُ بوحَ التَجلِي
جراحَ سنابل .. تَقطُرُ دمّ الخلودِ
على الأرضِ تسقي .. وتعطي الحياةَ
لروحِ الفسائلْ ...
وركضَ جيادٍ
تفتشُ بيَن الوجودِ . عن الركض
لاْ ركضَ فيها .. ومِنها .. إليها حياةُ الطّرِيد
بدمِّ القبائل
وأرفعُ بوحَ التَجلّي
ونوحَ التَنَاجي
جبالاً .. سهولاً .. منائرْ ..
وأبْكي ....
بِنَاي جرَاحي
ونور صباحي
بِهذَا المراحِ الرّحيبِ الرهيبِ
فتأتي الدموعُ نصالاً
تحزّ النِّصالُ رقابَ الأماني
وتقطعُ فِيها شرايينَ وَصْلي
وأَصْلِي ، وفَصْلي
وتُمعنُ فيّ الخَنَاجر طَعناً ومَزقاً
وتكسرُ حتى الجَناحَ المعلّقَ بيَن البَشائر
وتقطرُ سمّ العَشَائِر
على موقدِ النارِ بَيني ، وبيَن احتِضَارِي
وبيني وبيني
وتقتلُ حتّى انتصاري
على جرِح شوقي
وبركانِ وَجدي المكابر
وصرخاتِ عشقي ، ونطقي بروح الحقيقةِ
روحِ التَفاؤل
حَبيبي...
حَبيبي ...
هوَ البوحُ لكنْ ...
***
لشلالِ دمعٍ يسيلُ غزيراً
ويهوى على صفحةِ القلبِ
ناراً
تحيلُ الوجودَ قناديلَ وجدٍ
وشوقٍ
وحبٍ
لأنهارِ دمٍ ،.. وحزنِ..
حَفَرْنا المسارَ من العيِن للقلبِ بَحراً
فَتَحنا لَه العمق عمقَاً جديداً ..
وآهٍ!!.. وآه!!..
إذَا مَا انتَحيْنا عَلى شاطئِ العمرِ يوماً
لِجني حصاد السنينِ الخوالي ..!!
لنزرعَ بيَن الزنابقِ في الملحِ بذرةِ ذكرى
تدلًّ عَلينا إذا ما افْتَرقنا ..
ونطلقَ بعضَ النوارسِ في صفحةِ الموجِ تهاجرُ
منّا إلينا ..
وآهٍ .. .. إذا مَا وَجدنا السّراب حَبيبي
يخيمُ فِينَا ..
وأوّاهٍ منّا.. ومنّا..!! ....
سَنَمضي طَويلاً ، علَى الدربِ حتى
يعيدَ الرحيلُ الرّحيلا ..
وجيلاً ... فجيلاً
سنعقلُ .. ندركُ .. نذكرُ .. أنا حَبيبي
فَقدْنا سُرَانا .. فَقدنا السّبيلا
لشاطئِ بحرِ الحقيقة
وأنكرَ كلّ رفيقة
وعدنا خواةً حفاةً بخفّي حُنَيْن
بحفنةِ وهمٍ
نلوكُ خُطَانَا
ونرفعُ بيَن العواصفِ مجدافَ دمعٍ تهشّم
ونحصي خُطانا على الدّربِ مَوجاً
وعَسفاً يُدَمْدم ..
ومَا منْ سَفين
ومَا من سراةٍ
ومَا من سبيل ..
***
أحبّكِ بنتَ الدّوالي
وأُختَ الغزالِ
وغصنَ الحياةِ العتيقةِ مِثْلي
ويا صنوَ رُوحِي
أُحبّك شَدواً طليقاً
وهالةَ نورٍ تُضئ الَليالي
وأعلمُ أنَّا غَريبان ، جِئنا لهذا الوجود
نحلّقُ في الأفقِ طيراً يفتشُ عن سدرةٍ
يعودُ إليها بُعَيْد الغيابِ الطّويل
بُعَيْد الرحيل ...
أحبّك نجماً تجلّى يعانقُ شوقَ الحياة
ومعنى البقاء
وناياً غريب الصّداحِ الأنين ...
يداوي جراحَ المعنّى الأسِير
بهذي الكهوفِ .. يربّي الوحوشَ الأليفة
على دمِهِ المستباحْ
ويا أختَ جُرحي
أتينا لغابةِ نارٍ
يهاجمُ فيها الكبيرُ الصغيرَ ... الغنيُّ الفقير
وينهشُ فيها
القويُّ الضعيفا
أتينا طيوفاً .. ضيوفاً
نسيرُ
نطيرُ
ونحلمُ نضحكُ
نبكي
ويحكي صَدانا الصُدَاح ..
ونجمُ الصباح
خريرُ الجداولِ
عصفُ الرّياح
وننسى سُرَانا بغابةِ موتٍ ..
ونَنْسَى ..! ونَنْسَى ..!
أَنَنْسَى ....؟!
وينسى الذينَ نحبُّ ملامَحنا .. هذي السرابَ
سراباً يتوهُ على الرملِ
إذا غابَ عنه الشعاعُ ..
هو العمرُ يَمْضي .. ..
ولابدّ نَقْضِي .. ..
كقطرةِ طلٍّ منْ الزّهر تاهت
على الرملِ ، في الشمسِ .. تهربُ في الكون
بحثاً جلياً ..، جديداً
على دَرْبِها المستمرْ
لسبِر الحياة ..
وداعاً
ودَاعاً
ودَاعاً .. ..
أما مِنْ وَدَاعٍ ..؟!
أما مِن .. ..؟!
هوَ البوحُ لكنْ
هو العمرُ .. لكنْ .. سنمضي حَبيبي ..
سنمضي .
سَنمضي
ولابد نَقضي ..
ولابد نسلكُ دربَ الحياة
إلى منتهاه ..
إلى منتهاه