فُروتا طائرٌ أخضر - عزالدين المناصرة

عيونكِ فيهما وَهَجٌ
صريحُ اللون لا يخفى
عيونكِ مَلْجَئي ، منفايْ
وأعشق ذلك المنفى.
فُروتا طائرٌ أخضرْ
لطيفُ الوجه والمَعْشَرْ
فروتا طائر ملهوفْ
ينقّب عن بذور الورد، فوق السطح، والجدران، والمَرْمَرْ
فروتا طائر نعسانْ
يشقُّ السطر ﻓﻲ الدفتر
ليشرب حبر دمعته على مَهَلٍ ولا يسكر
فروتا طائر أخضرْ
نبيذيٌّ رماديٌّ، هوائيٌّ ، إذا ثرثرْ
ينام على مشارفنا
ويبكي ﻓﻲ حديقتنا
ولا يظهر.
وإنْ جاءت ليالي الصيف تذكرني
فقد ولدتْ فروتا ﻓﻲ ليالي الصيف
وعاشت ﻓﻲ ليالي الصيف
على الشرفات بَصْبصَةٌ ، وتفردُ شعرَهْا الأسمرْ
فروتا طفلة تنمو ، كما أنمو مع الأيام
لنبني عشَّنا الأخضر.
وألقانا الزمان المرُّ ﻓﻲ بحرٍ بلا أطراف
ورحنا نسأل العرَّاف
عن الجزر الرمادية
عن المرجان والياقوت والسفن الشراعية
فتمتم ﺛﻢ عَزَّمَ، قال إن الريح تدفعكمْ
ﺇﻟﻰ جبل الحديد الصلب والصوَّانْ
على هاماته السمراء
تغيب الشمسُ، يهجم ليلُهُ الظمآن
يظلُّ منارةً تأوي إليها الريح ﻓﻲ الشطآن
سلاماً
أيُّها الحارسْ
سلاماً أيّها الفنّانْ
سلاماً يا فروتا الورد والرمَّان
أحبك مثل حارسةٍ من التفاح والبرقوق
أحبك مثل مارقةٍ بقلب السوق
أحبك مثل كوز التين بالأنداء.
رأيت البحر: طحلبه، ثعالبه،
وما يرويه رملُ الشطِّ للموجةْ
رأيت الماء يغرق ﻓﻲ هوى الأسماء
وكلبُ البحر يلهث خلف أسماكٍ صغيراتٍ،
يَحُمْنَ هناك ﻓﻲ الأرجاء
يقول لهن: عَكَّرتُنَّ صَفْوَ الماء.
رأيتُ بنات آوى ﻓﻲ كروم الصيفْ
رأيت الطفل مذبوحاً بحدِّ السيف
رأيتُ بنات حارتنا
يجرجرهنَّ سوطُ القاتل النخَّاسْ
فروتا يا أعزَّ الناس
زماني ميّت الإحساس.
أنا المسفوح والسفّاحْ
لحبك لسعةُ الخاطر
أنا العطشان ترويني
بحارُ الهند والصينِ
وأنت فَراشتي، ضوئي
إذا ما أظلم المتراسْ
وصار كآبةً ﻓﻲ الكاسْ
فروتا يا أعز الناس
زماني ميّتُ الإحساس.
عُيونكِ فيها وَهَجٌ،
صريحُ اللون لا يخفى
عيونك ملجئي، منفايْ،
وأعشقُ ذلك المنفى
وأعشق ذلك المنفى.