نقوش الأنباط - عزالدين المناصرة

ناداها البعلُ، ونادتني امرأةٌ أُخرى:
حين لمحتك ﻓﻲ الترانزيت البدويِّ،
تجرّين الأعوامَ،
على أخدود جبينكِ،
أشرقَ قلبي ﻓﻲ المرآة.
ﺛﻢَّ تجرّين، بإصبعك اليُمنى،
رَجُلاً يمشي ﻓﻲ ثقةٍ :
أنَّ يداً، ﻟﻢ تمسسْ خديّكِ، سواه.
مطروداً، كنتُ
ﺇﻟﻰ بلدٍ ... لا أعرفه، أدمنتُ الأوّاه.
أدمنتُ الرقص على خشب مكسورْ
أعدائي، يثغون إشاعاتٍ،
عيناكِ تسمّرتا، والجسدُ تكهربَ قرب السور.
ﺛﻢ تفعفلَ قلبي، كذبيحٍ يشهقُ، آخر آه.
نادها البعلُ، ونادتني امرأةٌ أخرى:
ها أنتِ كبرتِ، وصرتِ امرأةً حارقةً، يشعطني
نورسُ أنحائكِ ﻓﻲ جبلٍ مغرورٍ، يعلو البحر المغدورْ.
ﺛﻢَّ
يُكَهْرِبُني ثغركِ، صفُ اللؤلؤ ﻓﻲ باب البحر،
رفيفُ ضفائركِ المجنونةِ، ﻓﻲ عاصفة الضوء المنثور.
كلُّ ضحاياكِ، انتشروا ﻓﻲ الليل،
كحبّات السهر الممدودِ،
وأنت تغطّين، كأفعى شتويةْ.
تسترخين، كنرجسة ﻓﻲ قاع بحيرة بلّور.
قالت ﻟﻲ: غابة مرجاني،
تتناسل أنهاراً من عسل الرغباتْ.
غمزتني بعلاماتِ النار الوثنيةْ.
الحيَّةُ بنت الحية بنت الوقواقْ:
قالت ﻟﻲ: قابِلْني ﻓﻲ باب الطاقْ
أو بعد النبعة، تحت الأشجار الملويَّةْ.
قرب نقوش الأنباطْ.
ناداها البعلُ، ونادتني امرأةٌ أخرى:
عنبٌ يتجنّس، حمضياتٍ ...
ونبيذاً مختوماً، بالأمكنة السحريةْ.
ﺛﻢ مشيت، على (اللسِّ)، كماءٍ تحت التبنِ،
غفطتكِ، أغمضتُ الوردَ العطشانْ
ﺛﻢ رويتُ بساتين الأنباط، بأشعاري
ﺛﻢ تودّدت لغمزتها الخضراء الثوريَّةْ.
برحيق السُهْدِ، هجمتُ على درب الأقمار الفضية.
هل أنت رمادية؟!
هل أنت ربيعية
كعمود الضوء الطازج ﻓﻲ الفجرِ،
أرى قطعانَ الأيلْ
شقشقنَ بكارةَ هذا الليلْ،
فانبلج الدمع على الخد، وسال الأحمرُ،
إن شئتِ ذبحناهُ، ذبحناهْ.
علوّاه، علوّاه، علوّاه
يا عنب الأنباط المبهورْ
يا فتنةَ ممنوعٍ مقهور.
ﺛﻢ تدحرج فوق الآه
عصفورٌ يطعم عصفورةْ
تحت شِحاف الصخر الوردي الفتّان.
لكنَّ الزعرورةَ تحسدني ... ليش!!!
ناداني البعلُ، ونادتني امرأةٌ أخرى:
أترك للزمن طريقاً، كي يمشي
هذا التابوت على الأكتاف، نراهُ يكسدرُ محمولا.
سَرْسَبةُ مياهِ العين على الردفينْ
تتدندل فوق الظهر، ضفيرتكِ الأولى
أمسكُ سالفكِ الرعويَّ المتعنطز، فوق الأذنين.
أَفركُ ما تحت الإبطين، وما فوق الإبطينْ.
بين صخور الأنباط
كانت ترقبنا سراً، خزنةُ فرعونَ السِحْريَّةْ
خاويةً من أيّ رصيدٍ، تتباهى برسوم معاركها
فلماذا تتفرعن، هذي الحمراء النائحةُ،
كموّال نبطيّْ
ولماذا الخيلُ ترمرم هذا الخشب السحريّْ
تلتهم بقايا عشبِ نشيدٍ كنعاني
تتحلّى بعساليج العسل الصافي،
مثل كريستال خدودكِ،
يا فتنة وادي الأشعارْ.
أمسكتُ بعصفور حبيبي،
فرّ العصفور المتدلّل كالمهرةْ
واختبأتْ نحلةُ أردافكِ، بين ضفائر عُلّيق الصخرةْ
قالت: مهلاً ... حتى لا يضبطنا الراعي
بالجرم المشهود.
هيه يا مْليهِ الرعيانْ
أبعِدْ غنماتك عن حقلي
أبعِدْ كفّيكَ عن النقش المحفورْ
ﻓﻲ قَبَّة صدري المقهورْ.
هيهْ يا مْليه الرعيانْ
لا تلمسْ كفّ السائحة الشقراءْ.
حين تشعبطتُ النخلةَ،
صَهْللتِ الضِحْكةُ ﻓﻲ أسنان الخضرةْ
ما أطول عرجونك يا نخلة
ما أطيب حبَّات التمر المُحمرَّة
قالت ﻟﻲ: احذر أشواكي ... واحذرني،
هذي غرغرةُ المطلعِ ﻓﻲ الموّال.
النرجس يعصرني ﻓﻲ كوب، ويشمّ شراييني
الكرمة صاحتْ، وهي تراقبني:
مَزَّعتَ سراويلَ الشجرةْ
هل جدُّكَ سائقُ شاحنةٍ ... أم عتّالْ.!!!
كان مع الفجر، ضبابٌ يغشاني
يا نخلة قُفِّ الماء:
مهرةٌ ﻓﻲ الشموسْ
عنبٌ ... وضبابْ
وبقايا فؤوسْ
الندى قام ذابْ
ﻓﻲ ثنايا القميصْ
وختمتُ العتابْ
وِفْقَ نار الطقوسْ
قائلاً لرباب
قابليني الخميسْ
قابليني الخميسْ.
ناداها البعل، ونادتني امرأةٌ أُخرى:
- أمسكتُ بشحفةِ عرقٍ صخري،
ورشقتُ الخزنةَ:
(أعطيني)، مهراً لعروسي
أَنْطيني سنَّ غزال الطيف
أَنْطيني، مهلة شهرين طويلين،
لكي أتدبّر هذا الحال.
حلفتْ ﻟﻲ، أني فارسها الأولْ
كم من داليةٍ حلفتْ، مثل قرنفلة كذّابةْ
لكن زلّت قدماها، قبل الترحال.
قالت ﻟﻲ: سبقوكَ، وقالوا: شهرين قصيرين فقط!!!
تنساني، قبل صعود الحافلة الزرقاء على التلّ المنسيْ
تنساني، قبل طلوع الشمس على الموّال الأندلسيّْ
يا هذا
ستذوب الأفعالُ، تذوب الأقوالُ، تذوبُ الأقوالْ.
ناداها البعلُ،
ونادتني امرأةٌ أخرى.
حين انطبق الظلّ على الظل، امّحت الذكرى
حين تقابلنا ﻓﻲ ترانزيت الغربة
حين تكهربنا ﻓﻲ ترانزيت الزمن المحدود.
ظلّت عيناها تلحقني
حتى أدركتُ بأن المهر البريّ الموءودْ
ﻓﻲ قاع الصحراء النبطية
يتراكض ﻓﻲ اللغة البنيِّةْ
يتلمّظُ مثل النمرود.
ظلّ يناديني وحدي، وأنا وحدي،
أهذي وحدي، يا وحدي.
أرشفُ من زبد الذكرى
أتقهوى من عينين، تكحّلتا برماد الذكرى
ﻓﻲ جزرٍ عذراءَ،
كبحَّارٍ ألقى مرساهْ
أرشف من نهر علوَّاه.
ناداها البعل، ونادتني امرأة أخرى
وأنا ﻓﻲ بئر ذهولي أهذي،
وأكاد أصيحُ: عَلوّاه.
علوّاه، علوّاه، عَلوّاه.