لا تغازلوا الأشجار حتى نعود - عزالدين المناصرة

(توقيعات)
1. انتخابات:
مازال ... ما انفكّ ... ما برح
مازال كنعان ﻓﻲ القلعة القديمة،
تحت أنقاض البيوتْ
بلحيته البيضاء،
سمعنَهُ اللواتي، عُدن من النبعِ،
بعد غروب الشمس،
سمعنَه، يُتمتم التعاويذ ﻓﻲ حقول الدم،
سمعنه ﻓﻲ حلق الوادي،
يغنّي لشجرة البوملي،
كلُّ حبّةٍ ... نهدٌ مشرئب ﺇﻟﻰ الأعالي
رأينه اللواتي عُدنَ من مجزرة الدور المنسوفة
يتمشكح، كالبطريق، مُستنداً على جذعٍ ناشف
البحر يغرف الرذاذ، ينعفهُ على الغابات
رأينه يفزُّ من ضريحه الممتدّ ﻓﻲ القرى
فرسه حماميةُ اللون، وسترتُهُ زرقاء
تعدو ﻓﻲ السهول والبراري
لكي يستيقظ المرج من نومه، ﻓﻲ مغارة الصدأ
فَزَّ المرج، شاهراً جماهيره
ظلّ صوت كنعان، يدوّي ﻓﻲ الساحل
حتى،
حتى جاءت النتائج مُشرّفةً ﻓﻲ الانتخابات.
2. تدفئة:
ما لزفير الثلج، يُهدّدنا بالقتل،
نحن الأعرابُ، قَدِمْنا من رمل النار،
نجلس خلف النوافذ، عند أقدامك يا أبيض،
نتلذّذُ بالمارّة ﻓﻲ طُرقات الزمهرير،
ونهتف قرب التدفئة:
سبحانَ التدفئة.!!
3. عطلة صيفية:
قال لي:
عملتُ حمّالاً ﻓﻲ ربّة عمّون
أصعدُ جبلَ السرورِ، حاملاً طفولتي الشقيّة
سيدتي، احذري، على مهلٍ، خُذي بيدي
بعدها، تنهرني، صائحةً:
لا تلمسني ﻓﻲ قاع العاﻟﻢ.
أشعلتْ سيدتي قلبها، ﺛﻢ أضاءته بشيء أحمر
رأيتُ فواكه صدرها، مجلّلة بالندى
قَرَّبتني ... سال النهر، وأنا ألهثُ ... ألهثُ،
أتطلّعُ ﺇﻟﻰ شفاهها المطليّة بالحنّون الصناعي
أحلم ببدايات العام الدراسي الجديد.
4. اندماج:
يا شجرة المنفى، إنني لا أنوي الإقامة
لكنّ البرد شديدٌ جدّاً، ضُمّيني بين فروعك،
حتى أرتاح،
أدخلُ ﻓﻲ جوهرك الصلب، أمتزجُ مع الترائب،
آخذك ... أمضي مع الريح
شجرة المنفى، يا شجرة المنفى
أقدامهم، أصبحت جذوراً ﻓﻲ الهواء
نبيذهم دماء
دندلوا سيقانهم بطمأنينة، عند حافة البركة
أمّا أنا ... يا شجرة المنفى
أنا لا أنوي الإقامة
سأظلُّ على الخط الأبيض،
مثل أهل الأعراف.!!!
5. العصفور ابن الطائر:
قفز العصفورُ ابن الطائر، فوق الشجرة
قاطعني بالنواح على أحبابه الراحلينْ
الطائرُ ابن الطائر، ابن الأفعى، ابن الكلبة
أيَّ رحيلٍ، ﻟﻢ يكن فيه أحبابي؟!!!
6. مقبرة الشهداء:
ﻓﻲ هذا الصباح المبكّر جدّاً،
زرتُ الأموات الأحياءْ
الجبل الأزرق،
كبحيرة السماء الرماديّة الخضراء
الأرزةُ عاليةٌ، جذرها ﻓﻲ الأغوار
بدأ البحر يصحو،
كعروس ﻓﻲ الصُبحيَّة الأولى،
غازلتُ الحبق المتناثر ﻓﻲ مقبرة الشهداء
اتعظتُ قليلاً بالذين ذاقوا التجربةَ، قبلي.
7. لك المجد يا امرأ القيس:
سوف أقول لكِ شيئاً غامضاً، كالأسرار
سوف تتذكرينَهُ، بالخير، أو بالشرّ،
لا يهمّني ... يا جفرا
إذا كان قلبك من أرجوان صور
أو كان من زجاج الخليل الملوّن
أو كان قرميداً ﻓﻲ اللاذقية
أو رمالاً، ﻓﻲ زجاجة وادي الأنباط
سوف تقولين يوماً ما .... يا جفرا:
لك المجد يا امرأ القيس الكنعانيْ.
8. لا تغازل الأشجار ... حتى أعود:
أصفر، أصفر، كالغيرة والفراق
هكذا كان وجههُ الإجاصيّ، وقت المساء
أشقر، أشقر، أشقر، كَتنباكٍ عجمي،
كزبيب الخليل،
يا مجنونةَ القلب والشرايين.
- لا تغازلْ، سماءَ الجليد،
لا تغازل، أشجاراً مثمرةً مسمومة،
لا تغازل، أفعى الماء الشقراء،
لا تجدلْ ﻟﻬﺎ، ضفيرةً من عساليج العنب
لا بأس، إذا غازلتَ شجرةَ الحُمّى
لا بأس، أن تشربَ كأسكَ، حتى النزف
آخر الليل، ستقول ﻟﻲ:
- بعد المطر، تأتي العصافير يا رفيق
مبلّلة الريشِ، ليس لك سوى ارتعاشها
ﻟﻬﻢ البحر، وحيتان البحر
لك زبد البحر الأبيض، يا هذا
ﻟﻬﻢُ الثروات الفضيّة،
واﻟﭭﻴﻼت الغامضة السحرية
لك متعة الخديعة، والفُرْجة، يا هذا
لك قبرٌ ﻓﻲ المنفى، تحت الشجرة، يا هذا.
- (حقاً، إنه زمن أسود
يا برتولد بريشت).
9. التشبيه:
يقتلني التشبيهُ على أرصفة المنفى
تسحقني أدواتُ التشبيهِ،
أدور باتجاه النواة،
فتحاصرني الاستعارةُ الصفراءْ.
أزرق، أزرق، نبع الجبل العالي
بيضاء، بيضاء، سوالف الهضبة
قلبي ينزّ طيناً أحمر، من وقع المحراث
وأنت تهزئين مني، قائلة: أيها الرومانتيكي!!!
10. حالة بوشكين:
مدنٌ تَقْبلُني، مدنٌ تطردني ...
أنتِ تآخيتِ مع الصبّارْ
تعتريني الكآبةُ، حين يجيء الشتاء،
أقول: لماذا هو الثلج أحمر
عندما يُذرذر قطنه الوطني:
من مطار صوفيا ﺇﻟﻰ جبل الفيتوشا
تفتح المدينة بابها لشجر الكرنفال
أيها الأُمميُّ المُزمّل بإيديولوجيا الفقراء
تتكلم ﻟﻲ عن ثلج الأيام الآتية،
لتواسيني،
خَبَبُ النوق ﻓﻲ رمل شراييني،
أثافي الرحلات الغابية اسودّت، وأنا أعدو
أعدو ﻓﻲ الطابور الطويل، مثل كل الأعراب
كانوا يا جفرا،
يجرّونني، نحو قبو التعذيب الثوري
غَرْغَرَ الدمُ ﻓﻲ فمي
اللصوص يُعدّون حقائبهم، باتجاه الفراديس
من أراد منكم، أن يغرق ﻓﻲ التفاصيل:
فليقرأْ ... حادثة بوشكين.
11. استقبال:
ﻓﻲ القاعة الرسمية
كان الحواريّون، يؤدون صلوات إضافيّة
وأنا، لا أعبأُ بالسيّد المُطاعْ
أنا كعادتي الرديئة
لا أريد أن ألتزم بالقافية العرجاء.
كان الثلج يَنِثُّ على شجيرات دائمة الخضرة
كانت العاصفةُ، شاهدةً يا حبّي.
12. المتنبّي؟!!:
أعددتُ للشعراء برادعهمْ، ومضيت
السمُّ الناقع، وزّعته ﻓﻲ الكؤوس الفضيّة.
زَعَمتْ الكذّابةُ، بنت الكذّابة، بنت الكذّابةْ
أنني غير قادر على مواجهة الفاسدينْ
صرختْ ﻓﻲ وجهي قائلةً: يا هذا، يا هذا،
ألست أنت القائل: ...... !!!
- حينئذٍ، تَسلّلتُ ﻓﻲ غابة الوحوشِ،
وتوجهتُ نحو حتفي.
13. لصوص الأوسمة:
حين تُدوّي طبول الحرب
نُهرعُ، لنَسُدَّ ثقوب أقفائهم.
حين نُعيد صياغة كنعان الجبليّ المرميّ على الطرقاتْ
حين انفجرت حوريات البحر الميّت ﻓﻲ القاعْ
زعموا بأنّه، جدُّنا المشتركْ.
حين تبدأ الأعياد الرسمية، ﻓﻲ قاعة عبد الناصرْ
تركضُ الطواويس، بريشها البراق، ﺇﻟﻰ الصفّ الأوّلْ
أما نحن، صقور الشعر المنثور، على كتفيْ كنعانْ
نُدعى – والحق يُقالْ
للزينة ﻓﻲ القاعة،
لزيادة عدد الطبّالين.!!!
14. عوامل التعرية:
قدمي اليُسرى، أصابتها شظيةٌ ﻓﻲ الحربْ
يدي اليُسرى، تزحلقت على ثلج الصابون
عيني اليُسرى، أزعجها لصوص القبيلة
أمّا قلبي المجروح الذي يكسدر ﻓﻲ العزلة،
فتلك عوامل التعرية،
عوامل التعرية، ... يا جفرا.
15. المُخبر في المنفى:
يلُحسُ الذكريات المُرَّة
يتمسَّحُ بأطراف حذائي المُهتَرئ من التجوال،
حتى هنا ﻓﻲ المنفى.
المخبر الذي عذَّبني، عذَّب أبناء شعبي
أنتقم منه يا جفرا ... بقلبي
وأنا أستطيع، أكثر من ذلك.
يمرُّ ﻓﻲ مطاعم الغربة، مقهوراً مثلي
هل تصدقين يا جفرا، أنَّ الأرض تدور.
رأيتُهُ ﻓﻲ آخر الليلِ،
يُلملمُ القِمامةَ، ينبشها كالكلبْ
أشفقُ أحياناً عليه، ﻓﻲ سرّي،
لأنّه أصبح غريباً، مُعذَّباً، مثلي.
16. نهر الليطاني:
بعد سماع الأخبار، أزداد غمّاً،
يكون ﻟﻲ نصيبٌ من القهر،
كأيّ مواطن صالح.
أستحضر نهر الليطاني ﻓﻲ فنجان القهوة،
أرسمه فوق حرير الأشجار،
النهر الذي ينبع ﻓﻲ هذي اللحظة من قلبي،
ويصبُّ الآن ﻓﻲ مدينةٍ، كالحديقة،
تُدعى صوفيا.
17. جفرا ... التي في أريحا:
- لماذا بدأ قلبي بالرفيف، أيتها الجرسونة؟
- لأنني أُشبه جفرا، التي ﻓﻲ أريحا، أيها الفتى.
- أذكر سمرتك الحنطية يا جفرا
إن مَررْتِ بأعالي الدير، فَوَشْوِشيهْ
ولا تغازلي، (عين السلطان) ... حتى نعود.
18. عروس البحر:
وددتُ لو أستطيع، أن أنقلَ مدينةَ الحرائقِ،
ﺇﻟﻰ مدينة الحدائقْ
كي ترجعي بيروتْ.
لا تغازلي الأشجار ... حتى أعود
فأنا ضالعٌ ﻓﻲ مؤامرة الحنين الأبديْ.
19. حمامةٌ مُحَجّبةْ:
حمامةٌ بُنيّة مُحجّبة،
تتجلّى ﻓﻲ عُشٍّ على شجرة الأسكيدنيا،
منديلها أبيض، كالأقواس الأندلسيّة،
الحنّاءُ على أظافرها،
سرقته من المرجان البحريْ،
هزّت منقارها، فانتثر الثلجُ على رأسي.
حمامةٌ بنيّةٌ مغرورةٌ، تُبرقمُ، كامرأةٍ ثرثارة
لا تنثري الثلج على رأسي، يا امرأةً ثرثارة
قالت: أتُغازلني ... أيّها البدويُّ العابر؟!!
فَعَطتْ بالصوت الفاجرِ،
ﻟﻢ تشلح، منديل الكذب الأبيض.!!!