غافلتكِ ... وشربتُ كأس الخليل - عزالدين المناصرة

1. قصيدة الحجر:
وما رميتَ إذْ رميت،
ولكنَّ الطفلَ رمى،
حجراً، ﻓﻲ وجه الجنديْ.
هذا زمن الحجر الذي لا يظلّ ملموماً،
وقت الحوادثْ
القرى تنفضُ غبار العثمانيين،
الجليل، يمدُّ لسانه:
كان إبراهيم غريباً،
بلّلنا جفاف شفتيه، منحناه قبراً لسارا
ﻓﻲ سفح جبل الجوهر ﻓﻲ حقل أﺑﻲ.
وأنا جالسٌ على حجرٍ،
قرب خرير الأنهار ﻓﻲ غابة المنفى،
توشوش جراحكم ﻓﻲ قلبي المتعب من الترحال،
أسلاكٌ تنخر عظامي، أجراسٌ تَطِنُّ ﻓﻲ البال.
مدامعُ العشاق ﻓﻲ جذور صفصافة غريبة،
نجمٌ مطرود ﻓﻲ مغاور الأعالي.
أرسلتُ لجفرا، مكتوباً سريًّا ﻓﻲ سلّة تين،
أقولُ ملتقانا، سهل الغزلان،
اتركي آثارك، قرب العريشة، عند نبع الدم
أتبع آثار حبيبي.
سأجيء إليك، ضيفاً ثقيلاً ﻓﻲ منتصف الليل،
اتركي علامة، قرب دالية الأسرار،
قولي للرعيان،
أن ينشدوا أغنية الأرجوان، بمزاميرهمْ،
بمزاميرهمْ
أو ... أقترح التالي:
قولي للغيمة، يا غيمة القرنفل،
هل تتركين حبيبي بين مخالب الوحوش!!
عندما ينشقّ الصخر، تمطر الأرض، طيوراً أبابيلْ
وأكون بذلك،
قد كتبتُ قصيدةَ الحجر.
2. بعثات دراسية:
ﻓﻲ مطعم فندق العشب،
رفعتُ كأسي ﻓﻲ صحّتِه الصفراء،
رفع كأسه ﻓﻲ صحتي البيضاءْ،
رفعنا كأسينا ﻓﻲ صحة الخليل.
بكى حبيبته القديمة، واستقال من السؤال.
هل أرسلوك ﻓﻲ بعثةٍ دراسية؟؟،
وأكمل، وهو ينفث سيجارته: مثلما أرسلوني.!!!
قلت: أتعلمّ اللغات، مثل جدّي كنعان،
الذي كان يلاحق الجليليّات،
بثيابه المزركشة، وفرسه البيضاء.
أبكي قرب أثافيّ الأعراب الذين مرّوا من هنا.
حينئذٍ،
دقّ كأسه، فانشقَّ ﺇﻟﻰ عشرين.
نهرس لوز رام الله، بين أسناننا، بغيظ
- ... وسور عكا؟؟
- يا خوف عكا من هدير البحر!!!
- وبكى، حتى أيقظنا ديكُ الفجرِ،
ضجيجُ الترامْ
قال: القهوة، سيّدة الأحكامْ.
قلتُ: القهوة، سيّدة الأحكامْ.
- أخشى أن نتقابل ﻓﻲ بيروتْ
- أخشى أن نتقابل ﻓﻲ البيت الحرام
- وضاع ﻓﻲ الزحامْ
ﻭﻟﻢ أره منذ سنين،
وبالضبطِ،
منذ ثلاثين عاماً وعامْ.
3. أوروبا ترقص:
تستيقظ أوروبا من جرار النبيذ الذي جرى الليلة الماضية.
أكونُ مستعداً لسماع،
وقع صداك البعيد، ﻓﻲ رقصة السماح.
صباح ماطرٌ ... سيّدتي تصطلي بنار الموسيقا.
أودّع عذابي، برقصة المتوحشات،
تحت ضوء الغابة:
- (الرقص حنين الأحفاد، لِهرْس عظام الأجدادْ
الرقصُ ... أنا والفتنة ﻓﻲ الميعادْ
أشواقُ عبيدٍ، لمخاصرة نساء الأسياد).
أُشعل أوتار حنيني، وسياجَ مدامعِ أهلي
إضاءة عابرةٌ، لا فرق، أغداً أرى أمي؟؟
موسيقا، يا موسيقا:
وهج الشرق ﻓﻲ شراييني،
توقٌ للبوح، قرب أسواركِ،
تلويحٌ لعصافير، ترتعش على جدار الكنيسة،
استرخاء شجرة بلّوط ﻓﻲ ساحة منتصف القرية،
شيوخٌ يلعبون الورق،
يقيسون امرأةً عابرةً، بالأشبار.
سأنظِّمُ أحزاني، كجوقة نواطير الكرم.
المطر يسحّ ﻓﻲ سماء خاصةٍ،
ﻓﻲ مزابل الطفولة المليئة ببذور التمر.
البحر الميّت استيقظ من رقاده الشتوي،
وناداني.
أوروبا ترقصُ، تمطرُ، تشربُ، ترقصُ،
وأنا موحش خامدٌ ﻓﻲ مقعدٍ من خشب الزان.
نهر الليطاني، يُسَرْسبُ ماؤه، يسري
كنبيذ الليل الموحشِ ﻓﻲ دمي الآن.
تشبهين ارتجاج شراييني، أمام حبٍّ جديدْ
كلما وصلتْ رسائلُكِ، بيضاء، دون رقابة.
ها أنذا أغادر قاعة الرقص ... وأوروبا تغرقْ
ﻓﻲ النبيذ والموسيقا.
ﻓﻲ النبيذ والموسيقا.
موسيقا يا موسيقا.
4. أرتكبُ حماقاتي ... وأعود إليكِ:
خشبُ التفعيلة يغريني
ببناء نصوص ﻓﻲ قاع سرير الفتنة.
أذهبُ حَرْداناً منكِ، أعودُ إليك.
صَفَنْتُ – يعني وضعتُ يدي على خدّي
قرب ضفة النهر الغريب،
ﻓﻲ الضواحي الموحشة.
أنا – عزالدين المناصرة:
سليلُ شجرةِ كنعان، وحفيدُ البحر الميّت
قبطانُ سفن الزجاج المحمّلة بالحروف
أسافر ﻓﻲ مدن العاﻟﻢ، كحمامةٍ زاجلة،
أحمل رموزاً ورسائل،
من بني نعيم ﺇﻟﻰ دالية الكرمل:
هو قلبي الذي يتمدّد، تحت بساطير الجنود الغرباءْ
شلاّل دمي ﻓﻲ عاصمة برتقالية، صهيلٌ كالمهر
ولا أشكو،
فالشكوى ... لغير (الخليل) ... مذلّة.
5. غافلتُكِ ... وشربتُ كأس الخليل:
أسئلةً، لا تلقوا، أيها العشّاق ...
فالخليلُ عنبُ دمي،
وإذا شئتمُ الوضوح:
قشٌّ، حصّادون، ومنازل مهدومة
الخليل، عصافير تُنقّر لبَّ الرمّان،
استيقاظ ثعالب الوادي،
هديل حمائم ﻓﻲ أعالي الصخور،
سجون، بركةٌ تستلُّ هديرها
من عروق الجبلِ. رُعاةٌ، حرّاثون، وثوّار.
من جهتي – الله يعلم: ﻓﻲ حضرتكِ، يتلعثم لساني
لا يهمُّ العنب، أن يتأكد من صحّة نسلهْ
تلك مدنٌ تعارفوا عليها ﻓﻲ زبد البحر
أعرابٌ يبحثون ﻓﻲ زبد البحر عن الماء.
مُمثّلنا ﻓﻲ الضوء، أنتَ،
ونحن ممثلوك ﻓﻲ الظلام.
سوف أبدأ، وأنسّقُ القافية مع الرَوِيّ واللوز
ﺛﻢ أصل ﺇﻟﻰ نتيجةٍ ما:
الحجرُ قافيتي ... والقنبلةُ الرويْ
سأنتحي جانباً، لأقول، ما قاله جدّي كنعان،
قبل انحلال الشرايين، وفُرقة القبائل، قال:
- الحدائقُ لمن يغازﻟﻬﺎ.
هل أعجبك التأويل يا مدينة العنب.؟؟
ما ... لمناديلكِ زرقاء!!
للنسيان مقاماتٌ عالية!!
- أتركُ مساحاتٍ بيضاء،
لكي يتغزل الشعراء:
الحجر، سلامُ الأرضِ،
الحجرُ قصيدتُنا العصماء.