قراءة أوّلية لطريق العين - عزالدين المناصرة

الماءُ الرائي
الماء المرئي
الماء الموصوفُ بنكهتهِ كحليب الماعز
الماء الثلجيُّ المتسلّل ما بين عروق الصخر الورديّْ
أنقى من قلب الطفل الأسمر
أنقى من كهربةٍ ﻓﻲ الروحْ
يشعطنا كالزعتر بالزيت البلديْ
يفتح طاقات ﻓﻲ الجهة الشرقية للقلب
الماء السمح بضحكته البيضاء
الماء الصافي كالأصوات الأولى
الماء الأحمر مثل الوعل البريّ المجروح
عند سدود البحر الميّتِ، حيث حقول الملحْ
الماءُ المذبوحْ.
لسماحته طعم الأرض النَوْرانيَّة
أعني تمتمةً وتعاويذ الوله الشفويّة
ﻓﻲ متن نصوص الأجداد الفضية
حول الماء
كنَّا نلتمُّ كعائلة حول الماء
نلتفّ كثعبان حول الماء
يا سيدتي الكنعانية
جرّتُك دليلُ العشّاق، عطاشٌ ﻓﻲ بريّة لوطْ
جرتك المشوية ﻓﻲ الطابون
تحرسها هالاتٌ وإشاراتٌ سحرية:
نقْمَشَةٌ لرغيفْ
حجرٌ منقوش كعروس ﻓﻲ ليلة دخلتها الأولى
رَوْثٌ ذكّرني بسنابل راعوث
رأسك، قبّته كوليّ صالح
جرتك الراشحة بأنداء التين
جرتك لدبسٍ يُثقِل أدمغةً ﻓﻲ الصبح الباردْ
مجموعةُ أوتار تعزفها الريح الجبلية
فوق رؤوس الحطّابين
غُدْفَتُها منديلٌ ملفوفٌ حول التفاحة
أسراب النورس ﻓﻲ مُنعرجات البحر الأبيض
أبيضُ، أبيضُ، يا أبيض
كم يذبح أوردتي اللحمُ الأبيض
كم يدهشني الأبيض يا متوسط
كم تقتلني الفِتَنُ الكُبرى ﻓﻲ أطراف عروق التطريز
كم راقبتُ حمامةَ وادينا ، حين تحطُّ على الإفريز :
" مرّت، مرّت ... ما مرّت
مرّت ... ما مرّت
مِرْواد الكحلْ ﻓﻲ العين جَرَّتْ "
فطساءُ، قياسٌ أبديٌ لامرأة ليمونية
الحمرةُ من أصداف البحر العكَّاويْ
وحريرك من سوقِ شُجاعيّةِ غزّة
سلسال صديركِ روّعني،
خلاّني مطروحاً فوق فراش العشق
حين تزورين البحر الميت ﻓﻲ غسق المشمش
خلّيني أتجرجر خلخالاً ﻓﻲ أسفل ثوب الفتنة
خبّيني ﻓﻲ عُبّ قميصك، كالحنّونة ﻓﻲ حقل القمح.
هذا البحر الميّت ﻟﻲ
طوّبتُ شواطئه ﻓﻲ دائرة عقارات الكنعانيينْ
هذا البحر الميّت ﻟﻲ
غسّلتُ جوانحه بالماء العذبْ
هذا البحر الميّت ﻟﻲ
طَهَّرهُ غضبُ براكيني
هذا البحر الميّت ﻟﻲ
شيّعت جنازته بحداء الركبانْ
من رأس الناقورة حتى رمل شعابي
من صيدونَ ﺇﻟﻰ غسق جبال الغيم الشرقية
حين تزورين جهير الماء الطيّب
أتشعلق ﻓﻲ قُبّة صدرك مفتوناً وأمام الناس
كضحى من ذهبٍ، يغشى أطراف البرية.
لكنْ
دُلّيني: أيّ طريق أسلكها للقلب
قولي ﻟﻲ: أيّ طريق أسلكها للعين
لسماحة هذا الماء.
الثعلب ينهش شمّامته بهدوء ﻓﻲ حقل البطيخْ
بهدوء يرد العين، يحدّق مرتجفاً من وهج العينْ
يطلق صرخته كرضيع من أجل حليب غلاوتكِ،
ومن أجل نقاء الروحْ
يزعم أن العين طريقٌ رجرجها عَصْف الريح
الحجل البريّ على أطراف حقول القمح،
يناديك ويحسدني
ﺛﻢّ يغازلك بوقوقةٍ، حتى أنغاظْ
شجرة صفصافٍ عند طريق العين تباهتْ بسوالفها
قالت ﻟﻲ: فوق سرير من خشب الورد الوهّاجْ
نتشابه إن مسّدتَ بكفَّيكَ على الأمواج
الحورةُ غارتْ، فأشارت لبُطينِ الأوراقْ
ورقي صَفَّةُ ذهبٍ عثمانية
بل تحت الأوراق الخضراء رحيقي المختومْ
ﻟﻢ تمسَسْهُ الجنُّ، ولا خيلُ الروم
قالت ﻟﻲ: حدّقْ ﻓﻲ الجسد الملفوفْ
أفراحي ﻓﻲ الجسد مُتلتلةٌ، وقوامي مهضوم.
وبقيتُ أراقبها ﻓﻲ حاكورة أعشابي
حين تمرُّ غزالة هذا النبع، تدق على بابي
نذهب ﻓﻲ الباص ﺇﻟﻰ المدرسة كطفلينْ
لكنّي لا أترك عيني عن درب العينْ
لا أتركُ عيني عن درب العين.