غَزَلٌ إلى نخلة الملح - عزالدين المناصرة

حَرامٌ عليكِ، حرامٌ، حرامْ
أيا فتنةَ الصُبْحِ تسري، ونحن قيامْ
على الطرقات، جموعٌ من الهائمينَ،
يقولون: مرّت كنخلة بير السباعْ
فقلت ﻟﻬﺎ: يا فتاتي،
تبارك هذا القَوامْ
عيونكِ من سهرٍ لا تنامْ
وزنّاركِ الشفقيّ حريرُ الشآم
على خصركِ السيفُ والنقشُ ﻓﻲ الصدرِ،
هذا حرام!!
وتَشْوينَنا مثل بلّوطةٍ ﻓﻲ رماد الشتاء
وتكويننا ﻓﻲ الجذورِ، القلوبِ، العظامْ
هتفتُ مع الهاتفين: حرامٌ عليكِ،
حرامٌ عليكِ، حرامٌ، حرامْ
بياضُكِ ملحٌ من القاعِ بين السطور
وطعمُ شفاهك مثل رحيق الختام.
وقيل لنا: ﺇﻧﻤﺎ أنتِ من فتنة الأرجوانْ.
سأروي الحكاية من أول الساقِ،
من زبدة الرُكبتينْ
ومن غضب القاع،
زلزالهُ قسَّم الدولتينْ
أيا امرأةً جُبلتْ من عناصر أخطائنا الشائعة
ومن حقل راعوثَ تلتقطُ القمحَ،
بعد مواسمنا الرائجة
ألستِ البياضَ الذي أدهش الشعراء!!
ألستِ الزراعة ﻓﻲ تلّةٍ قرب حقل الرعاةِ!!
ألست النقاء!!
وما زلتِ مالحةً مثل جبنةِ أغنامنا – الطازجة.
سأروي الحكاية من سِدْرةِ المُبتدا
أسجّلها فوق هذا الورقْ:
أراكِ عموداً من الملح ﻓﻲ الحلم قبل الغسقْ
كما نخلة الملح لم تستطعْ أنْ تُقاومَ زلْزَلَةَ الراسياتْ
دُخانٌ يِعمُّ القُرى، ﻓﻲ تعاريجه جمرةُ من لهيب الشَفَقْ
أراكِ مع الفجر أسطورةً ﻓﻲ خيال الغيوم
كغيمة قطنٍ نداهُ يُعاشقُ ديرَ التلال
ﺃﻟﻢ تلحظي وِقْفتي ﻓﻲ حُدودٍ، مبللّةٍ بالدموعْ
أنادي بأعلى عذابي: اصبروا
صابروا فوق أخشابكم ... كيسوع
وكنتِ دخانَ القُرى والصباحاتِ،
حين بناتُ المدارسِ بالأخضر الدمويّ،
المخطّط مثل مراييلهنّ، تلوحُ خطوط الأُفُقْ.
نعم كنتِ يوماً كتفاحة ﻓﻲ الصباح
نعم كنتِ ﻓﻲ زمن البحر، طاهرةً ﻓﻲ عيون الملاحْ
لماذا إذا غضب القاعُ صرتِ عموداً من الملحِ،
ﻓﻲ التلّةِ الموحشةِ
يزورك أمثالنا خِفْيةً عن عيون العَسَسْ
نشمُّك مثل الخطيئة، ﺛﻢ نداعب أغصانكِ العالية
كأنك مثل البلابل مسجونة ﻓﻲ قفصْ
تُطلُّ على مُدُنٍ ﻓﻲ السحابْ
كأنك ملعونةٌ ﻓﻲ خطوط الكتاب.
تعالوا
تعالوا نعيد قراءة أشعارها،
قبل أن تغضب الأرضُ ثانيةً ﻓﻲ الربيعْ
تعالوا نَفُكُّ رموز التفاتتها المدهشة
وماذا إذا كانت امرأة فاتنة
وماذا إذا التفتتْ، صُدْفةً، أو تعمَّدتِ الإلتفاتْ.
ﺇﻟﻰ كُحل زينتها، وهو يغرق ﻓﻲ البحر عند المساء
ﺇﻟﻰ رغوة الذكريات
وماذا إذا كان صاحبنا عاجزاً كالوعودْ
يغار من الوردة الناشفة
ﻭﻟﻢ يستطع أن يُروِّضَ هذي الرعودْ
ﻭﻟﻢ يستطع أن يُدجّن مهرته ﻓﻲ الظلام
ﻭﻟﻢ يتّعظْ، فادّعى أنه هاربٌ من خطايا ثمودْ
سؤال بسيطٌ، فأين الجواب؟!!
ولكنّني قرب هذا المساء
وقفتُ على تلّة الأسئلة
لأنثر – يا جارتا – حفنةً من رمادكِ،
فوق تلال الغرام
لعلّك تأتين – لو مرةً – ﻓﻲ المنام!!
لعلك تأتين – لو صُدْفةً – ﻓﻲ المنام!!!