كم تكون المسافة - عزالدين المناصرة

تظلُّ القبائلُ تبكيكِ حتى الشروقْ
وأنتِ على الرمل، تَمْرُ الرحيقْ
ومن أين ﻓﻲ البرد، نأتي بأجنحةٍ للحمام المُهاجرِ
ﻓﻲ رحلة الألف ميلْ
وَمِنْ أين نأتي، بثوب الكروم المطرّزِ
ﻓﻲ هذه المدن الساكنةْ؟؟
ومن أين نأتي، بقشٍ لعرس البتولْ؟
ومن أين ﻓﻲ الثلج، نجلب عاصفةً، ضدَّ هذا الذهولْ؟؟
ألا تعرفين بأنّ الحريق يُذيب الحديدْ
لقد قتلوكِ ... وإنْ نشرتْ نعيك، الصُحُفُ الميّتةْ
ألا تعرفين ابتسامتها الباهتةْ.!!!
سمعتُ القبائلَ يا بُلْبُلي، تحتفي بحُطام الجفافْ
رآها الرذاذُ، وشَمَّ جديلَتها، ﺛﻢَّ خافْ
رفيفُ الفراشاتِ، قاسَ المسافاتِ،
ﺛﻢَّ رأى أنَّها سَتَطولْ
فَراحَ يُوزّعُ أجزاءَ جُثمانِها ﻓﻲ الحقول.
كم سيبقى من القهر، من حِصَّتي يا يسوعْ
سوف أرسم فوق ذراعي سهاماً تذكّرني بالسهامْ
صلبوا أهلها فوق نار الجذوعْ.
سوف أسأل هذي القبائل قبل الدخولْ
كم تكون المسافة بين دمشق وباب الخليلْ؟؟
كم تكون المسافة بين صراخ الوليد، وبين اصفرار العُروقْ؟
آهِ، يا طفلة القهر، هذا زمانٌ فظيعْ
يجرحُ الصمت، يمتصُّ من دمنا خضرةَ النهرِ،
قبل الرجوعْ
كم سيبقى من القهر، من حصّتي ... يا يَسوعْ؟!!
أيها الرعويُّ الذي يركب الآن مهرته ﻓﻲ السهولْ
تاجُ شوكٍ وسَعْفُ النخيلْ
قُلْ لنا: كيف نمشي، إذا طاف هذا الحَرَسْ؟!!
كيف تجلبُ مريام، هذا المساء، حليبَ الرضيع؟!!
كيف يصمت هذا الجَرَسْ.
يا عروس البحار،
على كل شطِّ بكتْ طفلةٌ لرحيل النوارسِ،
صاح غريقْ:
- نحن من نزرعُ الرمل، لتنبت صحراؤهُمْ شجراً وبريقْ.
نحن من نركل الرمل – لا عاش فينا النعامْ
نحن يا طفلة الموت، نطرح للعاشقين السلامْ
نحن مَنْ نشرب الدمع، قبل الطعام وبعد الطعام.
غير أنَّ لصوص الطريقْ
سَحَبوا خنجراً ﻓﻲ الظلام، وقصّوا شفاهكِ،
حين صار لنا مطر وبروقْ
كي يكون لهمْ وحدهمْ، ثمرٌ ورحيقْ
آه، يا وردةً ﻓﻲ الرمال تموتُ،
وتبكيكِ هذي القبيلة حتى الشروقْ
كم تكون المسافةُ يا نجمةً من عقيقْ؟!!
كم تكونُ المسافةُ بين الرحيل وبين القِصاص؟!!