لسببٍ عاطفيٍّ إغريقي - عزالدين المناصرة

أسيرُ كالصباحِ فوق الشَطِّ،
أمسح الرذاذ عن جديلةٍ تنساب ﻓﻲ الهواءِ،
ألقطُ الحصى، وأرجُمُ الحيتان، أستغيثُ يا مفرّج الكروبْ
حمامةٌ ﻓﻲ شاطئ الإسكندريّة اللعوبْ
تلوبُ ﻓﻲ الفضاءِ، حيثُ الطائر الطروبْ
يقزقز الدقائق الطوال بانتظار موعد البلّورْ
المطعمُ الصيفيُّ ﻓﻲ محطّة القلوبْ
مُلَفَّعٌ بضحكةٍ من القماش الأزرق الشحوبْ
البحرُ عاصفٌ والوحش ﻓﻲ الزُقاقْ
الليلة استرحتُ، لا صديق ﻟﻲ سواك يا مضيقْ
البحر كان هائجاً، أوشكتُ أن أقول إنَّ شارع التانيسِ،
قد يفيضُ رغم بُعد وجهكِ الصَبوح، رغم أنَّ قلبك الغريبْ
يَرفُّ بالصلاة ﻟﻲ. أوشكتُ أن أتوب.
الليلة استرحتُ ﻓﻲ مقاعد الغابات، واستمعتُ للألوانْ
رأيت (سيفَ وانلي)، يرسم الخَريرَ ﻓﻲ الأغصانْ
يُتابع الغناء ﻓﻲ مراسح العويلْ
وعندها ذكرتُ صاحباً يجول ﻓﻲ مدينة الخليلْ
ويشتهي غناءَهُ الطلاّبُ والبناتْ
يقفزن ﻓﻲ الهواء فوق السورْ.
الليلةَ ابتكرتُ خطّاً رابعاً من الخطوط فوق الرملِ ...
تُشبهين أسطُراً من قلم الجليلْ
المطربُ الحزينُ يستعيد ساعةً من الوصال فوق شطّ النيلْ
فأومأتْ زهقانةً بطرف المنديلْ
هل تحفظين هذه القصائد التي تموج بالتفصيل
أحبُّها جميعها، بدون أفعل التفضيلْ
واشتعلت كنجمةٍ تذوبْ
ﺛﻢ اختفتْ، كأنّها جِنيّةُ الحقول.!!!
صَبِيَّةٌ بحريَّةُ الأصولْ
علّمتُها الغناء ﻓﻲ تمّوزْ
قَشّرتُها كلوزةٍ بريّة الرموزْ
وقال صاحبي ...
سكتُّ حين قال صاحبي: أحببتَها يا صاحْ!!!
جرَّدتُ روحي من إسارها، أخبرته: يَجوزْ!!!
يا صاحبي ... هذا ارتحال سيف الدولة الضِّليلْ
ناديتُها ... (أماندا ... بشعرها الطويلْ)(1) *
البحر قال جملةً ترنُّ ﻓﻲ الأعماقْ:
- الغربة الزرقاء قد تمتدّ ألفَ ميلْ!!!
أليس بحر هذه المدينة التي نعيش ﻓﻲ مرجانها،
يمتدُّ حتى ساحة الحنطورْ
تزورها السفائن التي يعلكها التجوال والوهَنْ؟!!
لقد تعبنا يا ... (كفافي) ... والزمن(2) **
ﻓﻲ صالح البرابرة
فلننتظرْ – البحر قد يمرُّ من هنا، أشمُّ رملك الحنون ...
أحضن الأمواجْ
نُسيمَةٌ من سحرك الوهَّاجْ
نوارسُ الخليج والعُقْبانْ
ونقنقتْ ضفادع السَبْخات ﻓﻲ بولاقْ
هل تكتكتْ ﻓﻲ الفجر، ساعةٌ عتيقةٌ ... ومثلنا مسافرهْ!!!
هل نحن ﻓﻲ الإسكندريّة اللعوبْ
ننتظر البرابرهْ
أم ننحني للريح، كي لا تُطفئَ السراج!!!
صبيَّةٌ يقال يونانيّةُ الأصولْ
ﻓﻲ صدرها قلادةٌ من عاجْ
ﻓﻲ دارها زجاجةٌ من دمعة الخليلْ
الشرفةُ النيليّة البيضاءْ
زقزقةٌ تطلُّ ﻓﻲ ملامح القتيل.
يا دارها التي تُغازل الشراعْ
كم حُمتُ حول سورها، والحجل البريّْ
كم رفرف الدوريُّ ﻓﻲ حديقة الأجراس
كم صدَّني ﻓﻲ بابها تعنّتُ الحرّاس
من قبل أن تطلَّ كالندى على مباسم الرُمَّانْ
بثوبِ ياسمينها الطويلْ.
أماندا ... بشَعْرِها الطويلْ
هل ينزف البحر دماً
أمْ ينزف البحر صديدا؟!!
أم أنه بكى حبيبَهُ الموعودا؟!!
أم أنه ينتظرُ الرمالَ أن تبوحَ
أو أن تقذف فوق رمله شهيدا؟!!
أمْ يا ترى حبيبتي ﻓﻲ هدأة المساءْ
تجيءُ كالضياء ﻓﻲ محطّة القطارْ.
يا أيها العظيم
ندور ﻓﻲ الوديان ﻓﻲ ذوائب الأشجارْ
تهرسنا الحيتان والعقبان والبرابرة
يأتون من ورائنا، يأتون من أمامنا، ﻭﻓﻲ نثيث الثلجِ،
يُقبلون من مدائن البضائع المُقَنْطَرَهْ
معتمةٌ أحلامنا – من يمنح الغريب ﻓﻲ ترحاله تأشيرة الدخولْ
هل ينزف البحر دماً، أم أنَّ قلبي مُتعَبٌ ﻓﻲ هذه الأعوامْ؟؟؟
أمْ أنَّ عيني، ربّما ترفُّ من تراكم الأيامْ؟!!
أم أنَّ أمّي ﻓﻲ الخليل، لا تنامْ.؟؟؟
البحر سوف يذكر الأسباب، سوف يصفو،
تُقبل الموجات كالأحلامْ
تفيض فوق ذلك الحزين، يفرح الرَغامْ.
البحرُ هزّني، البحر حزَّ ﻟﻲ وريدي
البحر قد يفيض، تدفن المدينةَ المياهُ، تصفر الرياحْ
وتركض الموجات كالدجاجْ
ويغرق التِرامُ، ذو الخطّين ﻓﻲ محطة المدينة الراجفة الأوداج.
كأنّها عاصفةٌ تلوب ﻓﻲ مشارف الخليلْ
بثوبِ ياسمينها الطويلْ.
أسير كالصباحْ
كأنني فراشة المصباحْ
الفندق الرخيص ﻟﻢ يَنَمْ
قد يعبرون اليومَ، رُبّما، ورُبّما غداً قد يهجم البرابرهْ
وطقْطقتْ أوراقُهمْ ﻓﻲ الفندق الرخيصْ
بل صاح سيِّد عجوزٌ: ... (باصِرَةْ)
فانفلقتْ طاولةُ الرخامْ
واهتزَّ صوت النهر ﻓﻲ قصيدة البرابرة
لن يحضر البرابرةْ.
لأنّهُمْ ﻓﻲ صُحُف الرقيبْ
لأنّّهم ﻓﻲ الكأس والرغيف والمُحاضَرَةْ
لأنّهُمْ ﻓﻲ البيتِ، ﻓﻲ مقاطع النشيدْ
لأنّهُمْ ﻓﻲ القدس والخليلِ، أوْ ﻓﻲ الناصرةْ
يقتلعون الوردَ أو يحاصرونَ ...
هذه المدائن المُحاصَرَةْ
لأنَّ هذا الشافعيَّ ﻓﻲ الوريدْ
لأنّهُمْ قد قتلوا المصلوبَ ﻓﻲ مغارة الحليبْ
لأنّهُمْ ﻓﻲ كتب المدرسة الصفراءْ
لأنهمْ ﻓﻲ الشاعر الكذّاب والبليدْ.
عبرتُ كالصباحِ، مثقل الخُطى، هربتُ نحو شمسها الزرقاءْ
علمتُ أنَّ صورةً أخذتُها للسيّد العجوزْ
قد مُزّقتْ ﻓﻲ شاطئ المعمورةِ المعمور بالنساءِ والنساءِ والنساءْ.
ﻓﻲ الفجر، من شبّاك شقَّتي النيليّة البيضاءْ
نظرتُ، كان الصائدون يزحفونْ
يا غربة الجليل، إذْ يغطُّ ﻓﻲ النعاس والندى
وحطَّ كفَّه على جبينِهِ، وقال: يا اللهْ
لا تترك الغريب بين الدمع والجفونْ.!!!
وكنتُ ﻓﻲ الطريق ساهماً، أفتّشُ البيوتْ
هل ضاع رقم شقّتي، أمْ ﺭﺑﻤﺎ أخطأتُ ﻓﻲ العنوانْ
وقال صاحبي الذي يبيع نرجس العيونْ:
- ﺇﻟﻰ يمينها عمارةٌ خضراء، ﻓﻲ شمالها سيّدة شقراء،
ﻓﻲ جنوبها تسلَّل الضياءْ.
صبيّةٌ بحريَّةُ الأصولْ
ﻟﻢ تُخبر الأطلال عن عاشقها النبيلْ
ﻭﻟﻢ أجد من صوتها سوى صدى الرنينْ:
الغربة الزرقاء قد تمتدّ ألفَ ميلْ
- شردتُ من نوافذ القطار ﻓﻲ الصحراء والسهولْ:
ضحكتُ قبل أن تقول: كُفَّ عن تدجيلكَ الرقيقْ
البحر كان فاتناً ولا سواك يا صديقْ
لكنّما النسيانُ والبرابرةْ
سيقتلان الحُبَّ يا (مَناصرةْ)
يكتسحان الجذرَ والقِلاعْ
تلك التي بنيتَها ﻓﻲ شاطئ العقيقْ
ينكسرُ اليَراعْ
ولن ترى – أماندا
بثوب ياسمينها الرقيقْ.