ظلّ يركض ... حتى الرصاصة - عزالدين المناصرة

أقترح الآن، بديلاً، للصمت المتوحّشِ،
هذا الرابض ﻓﻲ أركان شوارعنا
الممتلئةِ غيظاً ودماء.
حيثُ، الهَمَجُ الزُرْقُ، وتُجّار الأسلحةِ الفتّاكةِ،
قدْ حفروا ﻓﻲ الرمل العربيِّ،
علاماتٍ زرقاء وخضراء وصفراءْ.
أقترح الآن، بديلاً للمدن الميتة العزلاء:
أرفع راية غاراتي المشهورة ﻓﻲ الصحراءِ،
فَتَتْبَعُني الساعاتْ.
يَتْبعني المطرُ – الريحُ – الوحشُ الضاري،
الوردُ، الغاباتْ.
تتبعني الأشجار، الأنهار، العربات.
لأغازل عينيك الزرقاوين، بسيفي الموتور.
بالريح الشرقية، بالأسماء.
ماذا أعددتَ من: الخيل – الليل – رماح البيداء؟؟؟
...... هل صار الإسفلتُ جريحاً،
يركض ﻓﻲ العاصمة الوثّابةْ
هل نام الشيخُ قريرَ العين؟؟
هل أصبح سمكُ البحر المتماوج، ﻓﻲ الغيم الداكنِ،
حوتاً، يحكم مملكة الماء؟؟؟
هل وصل المكتوبُ لأُمّي، دون رقابة؟!!!
- كنتَ تغنّي، ﻓﻲ سرّك، وحدك، ﻓﻲ الحافلة الزرقاء
أحزانك، صفراءُ، وبُنِيَّةْ
كوثيقةِ رعبكَ ﻓﻲ عبّكَ، ملْساءُ كأفعى
تنساب على صدرك، مثل السرطان النهريّْ.
أصبح بين الموت، وبينك، حدُّ الشفرة،
هل تصبح أيامك، كالورد البرّي الأحمر
ﻓﻲ ليلة عرسك، يا هذا،
مطرٌ من سقسقة عصافير البحر الولهانْ.
هل يمحو الحاجزُ تلك اللحظاتِ البيضاءْ
هل تصبح أنت الحامل سلّتك، المشبعة،
بأنداءِ عناقيدِ كريستالٍ مشقوقْ.
مرمياً ﻓﻲ سوق الأيام الحُرَّةْ:
مَنْ يأخذْ هذا الطير الأزرق، فالسوقُ كسادٌ،
والحسرةُ تتبعني، كالمهرة!!!
أمي – هل تصل رسائلها، بعد هبوط النجمِ،
وبعد هبوب الريح الشرقيةْ
لكن البارود، يلعلع ﻓﻲ ساحات بياضٍ، كالخبز المرقوقْ.
ما هَمَّ: دعاءُ حبيبي، يحرسني
ووحيداً كنت محاطاً ... بالأعداء المدنيينَ،
ﻭﻓﻲ أيديهمْ ألوانُ القوسِ، وأفئدةٌ حجريةْ.
رملٌ ... لترابكِ، أبكي ﻓﻲ هذا الليل الموحش وحدي.
ﻭﻟﻬﺬي الرمضاء.
ونبيذٌ ... لكرومك طعم الورد، وعطر الأجداد الكرماء.
ودماءٌ ... لا يرجع وادي النارِ،
المتحفز، غير النار الحمراء.
- سكرتَ إذن، بعد أن خلّفوك وحيداً ...
وثيقةُ قتلكَ ﻓﻲ يدك الآنَ،
جاوزتَ حَدَّ الغناء.
وها أنت، لا ظل يحميكَ،
لا الرملُ
لا المدنُ، الزينة، الببغاءْ.
سكرتَ إذن بأغاني الحقول – الحصاد – النساءْ.
- يا زعتر ... ماذا تعني، حرب الطبقات؟؟
- أن نحمل سلّة أفراخ حمامٍ، أن ننشد أشعاراً،
ضدَّ نساءِ العرباتْ.
يا زعتر، ماذا تعني الصحراء؟
- مدناً لرعاة البقر الشُقْرِ، استديوهاتْ.
- والحاجز؟
كانوا ﻓﻲ الحرب الأهلية ﻓﻲ مدريدْ
قد ذاقوا الويلاتْ
كان الولد الأندلسيُّ، يبيع حماماً مثلي
ﻓﻲ كل قصائده الزرقاء.
كانت أمي تنهرني ﻓﻲ الزمن الطفلِ،
فما كنتُ أردّ عليها
مرّغتُ دمي ﻓﻲ الدِمَنِ الخضراءْ
خضراءُ الدِمَنِ الآن، رصاصٌ لعلعَ ﻓﻲ الأرجاء.
ها هي، لحظة موتك تحضرُ، والنجمُ الأسودُ،
يضحكُ منك، وأنتَ وحيدٌ، مثل يتيم ﻓﻲ جبل المرمرْ.
- اركضْ. اركضْ يا زعترْ:
يا زعترُ ... من أيِّ منظّمةٍ أنت؟
- من صخر أريحا!؟
من حقل البطيخ الأحمر!؟
من دالية الكرمِ،
ومن جبل القفزةِ،
فاقفزْ، اقفز، اقفز يا زعتر.
كان الحاجزُ، يتأهب للقتل، وطارتْ منكَ حماماتْ.
وكما النمر، ال عرف عدوّاً صَلْداً،
يتجوّلُ، مزهوّاً ﻓﻲ الغاباتْ.
وخصوصاً، حين يكون النمر الريفي، وحيداً،
تحت الأشجار.
يقرأ شعراً لجذوع البلّوطةِ والأنهار.
والمطر البلوريُّ الناعم، يهذي،
للغيماتِ الشقراء.
ركضَ الزعترُ. هل تركضُ نحو سمائك، يا زعترْ
اركضْ، اركضْ، اركضْ
هذا وطنٌ أخضرُ، والحاكمُ صحراءْ.
- ظلّ يركضُ، حتى المساء الأخير، وحيداً
وحيداً، حبيبتُهُ ﻓﻲ أريحا النبيذ العتيقْ
الرصاصُ الذي يعصر البرتقال.
وكان الحزينُ المبكّرُ ﻓﻲ الصحو، يركض،
هم يركضون وراء الحزين المبكّرِ ﻓﻲ الصحوِ،
ها أنت تهوي، كنجمٍ عريقْ
وهُمْ يركضون وراءك بين ركام العمارات،
قرب الحريقْ.
... ... ... ... ... ... ...
- يا زعتر كنت تبيعُ حماماً،
فلماذا قتلوك!!
... ... ... ... ... ... ...
- يا زعترُ ... حين صحوتَ، استأسدَ عصفورْ
كانوا قد غطّوا ﻓﻲ النومْ
قتلوك قُبيل هجوم الديجورْ
يا عيب الشومْ
يا عيب الشومْ.
- (كافٌ) كبرتْ أعوامي
ها، أنذا، أحمل أشعاري وأسيرْ.
- (ياءٌ) يشتاقُ الواحدُ منا يا أمي، الآخرْ.
- (سينٌ) سأل الصحفيونَ،
إذا ما كان الزعتر، يفترشُ التابوت.
- (نونٌ) نادى، حتى يستيقظ،
أحفادُ الليمونِ، اللبن، العسل،
العنب، التوتْ.
- (جيمٌ) جَمْجَمَ أغصاني، حارسُكِ الأسود يا بيروتْ.
- (راءٌ) رافقني الحلْمُ المدفونُ المكبوتْ.
عجلاتُ المنفى، تدهسنا يا أمي، فلماذا قتلوكْ
كُنتَ تبيع حماماً، فلماذا قتلوكْ
ﻓﻲ الزمن المكّوكْ
فاشدُدْ بترابك، يا هذا، حتى لا يُدميكْ.
اشْدُدْ بحديدكَ ... يحميكْ.