محاورات الباب العالي - عزالدين المناصرة

لترسمَ صورة قلبي ودقّاته بعد كل قصيدة
تترجمُ ﻟﻲ فقرةً من جريدة
كذلك تسألني عن بلادٍ بعيدة
وعن شاعر مات ﻓﻲ الجاهلية
وعن شاعر (لا أقول اسمه الآن)،
عاش فقيراً، وما زال يكتب شعراً،
ويشرب قهوته ﻓﻲ فِناء الغيومْ.
كذلك عن شاعر ﻓﻲ المقاهي يحوم
وعن شاعر عشقته النجوم
وعن صوت فيروز، إن كان يكفي لصدّ الهجوم !!!
- جئتك من أقصى جبل ﻓﻲ الشام
لا أملك إلاّ ما يملكه أمثالي:
قمراً، نخلاً مزهواً ... وكرومْ
ﺛﻢّ حمامات فوق السطح تحوم.
لكنّي لما جئتك ... كنت طريَّ العود.
أزحف كالنملةِ، أخطف حبَّة قمحي،
أتسلّلُ كالحزن الأصفر كالقطّ النمرودْ.
أخضرُّ كما تخضرُّ شطوط الجُزُر الأخرى
ﻓﻲ العالمْ
ضحكتْ شفتاك وكنت بشوشاً،
ﺛﻢ جلستُ أحدّث نفسي،
عن طيبتك العليا: كالحالمْ
لكن يا مولايْ
ألقيتَ الحجر على رأسي وأنا نائمْ.
طرقَتْ بابي أقدام الصبيان وقالوا:
النرجس يهواكْ
وضحكتُ على نفسي، لمّا شفتك تهمس ﻓﻲ أذني:
كم تعشق شعري
وتحب المتنبي والأخطل والشعر العذري
العرجي والملك الضلِّيلْ.!!!
منذ رأيتك ﻓﻲ أقصى جبل ﻓﻲ الشام
الغور أمامي مرسوم، وصهيل مَهاري الروم
أُمسكُ قاع العالم، جذر العالم، خاصرة العالمِ،
أعني وَجَعي المعلومْ
أعني أشجار الموز، وأعني قاع أريحا،
همس الأجداد، إذا هبّت عاصفة النارنجْ
أعني قنديل الزيتون الرومي.
أمّا سيّدتي القدس المسكونة بالروح
فاسألني، واسأل عهدتها العمريَّة
واسأل أجراس كنائسها عن باب الواد
حاذر يا هذا ... بردى ﻓﻲ قلبي.
- ﻭﻟﻢ أتكلم عن الخبز والخوف ... ما قلت شيئاً
سوى أنني عاشقٌ من عنبْ
أحبُّ هديل الحمامِ على المرتفعْ
ﻭﻟﻢ أتكلَّم عن الأرجوان وهمس المطر
أرى قبل أن يُقبل المنتظر
كسيفِ رخامٍ صقيلْ
أُواجهُ يا قاتلي غول هذا الرحيل.
- وعلى أغصان الرمّانْ
علّقنا أعواد الذكرى
ونقشنا فوق صخور بيضاء
أسماء المرجئة، وأسماء الديناصوراتْ
من جعلوا قدمي ﻓﻲ المنفى
من خلعوا عينك يا زرقاءْ
إن كنت نسيتك، فلتأكلني حيتان البحر
ولساني يُقطع، إنْ كنت نسيتك يا سيّدة المدن الخضراء.
- وقف عدوّي ﻓﻲ وجهي
أخبرني أنَّ زمان الشعر مضى.
- أحبّ غناء العذارى على نبع ماء
وأهوى شَفيفَ ثياب البنات
وصوتَ البراكين، إنْ كان يا سيّدي، عربيَّ السمات
أحبُّ رفيف السنابل ﻓﻲ المنحدر
أحبُّ جدائل مريام، أسوارَها العالية
أحب الشرائط فوق ضفائرها اللولبيّةِ ﻓﻲ المدرسةْ
وأشتاقها الفجر عند هطول الندى ﻓﻲ الجرار
كصفصافةٍ،
نبتت ﻓﻲ حواف البحار
كعصفورة تنبش الأرض، تهتف: أين البذار!!
أحبّ فروتا وأشتاقها،
مثلما العيس تشتاق ماء الغدير
وأشتاقها مثل نهر يسافر ﻓﻲ سالفات الدهور
ﺇﻟﻰ طللٍ أسمرٍ مقفرٍ مثل منفى الأبيْ
ﺇﻟﻰ حجر شاله ذات يوم نبيْ.
وأشتاقها أيها الأزرق المخمليُّ البهيجْ
أحبّك يا خضرة النخل ﻓﻲ واحة مالحة
أحبك حيث تكونين قبل الربيع الأخير
تكونين مأوى الطيور التي هاجرت من بعيدْ
أحبك سرب مهاً ﻓﻲ فجاج الصخورْ
تغنّين للماء والرمل والقافلة
كأنّكِ ﻓﻲ كرنفالٍ، ألا ترقصين !!!
- اعتدلت قامته، أطفأ سيجارته ﻓﻲ قدح القهوة
لعن الذكرى والساعة والأحلامْ
وبكى مثلي، ثمَّ تسمَّر ﻓﻲ جلسته، ﻟﻢ ينبس إلاّ بالصمتْ
قلت: علامات الصوفية والقادة والوزراءْ
إن قالوا: فعلوا
أو صمتوا: قتلوا
أو حنّوا للكاس، اشتعلوا
حوقل – قالت أمي إنّ المرء إذا حوقل حاصره الوجد الصوفيّْ
- ﻓﻲ أي منظّمةٍ أنت؟!!
- عضوٌ ﻓﻲ بيت الشعر المنثورْ
- عضوٌ في قاع منظَّمة التحريرْ.
- أتيتكَ ﻓﻲ داخلي نيَّةٌ للرحيلْ
سأشكوك للأرض، ثورتها قد تطول
سآتيك قبل الرحيل وبعد الرحيل
تماماً كما نلتقي فجأةً ﻓﻲ الطريقْ
سآتيك ﻓﻲ الثمر المحترقْ
سآتيك كابوسَ رعبٍ يدقُّ العُنُقْ
سآتيك من جبل الشام من باكيات الطلولْ
فبحلقْ عيونك ... خوفي هو المستحيل.