طريق الشام - عزالدين المناصرة

1. المتنبّي وأبو تمَّام:
ﻓﻲ باب الشامْ
قابلتُ المتنبّي وأبا تمَّامْ
وذهبنا للحانة ﻓﻲ الشط الغربي المخمور
(صاحبها ثرثار)
ﺛﻢَّ سكرنا حتى جرت الخمرة ﻓﻲ جذع الأسرارْ
حدَّثنا عن عقدة كافورْ
قال: يحبُّ مديحَ الشعراء، ويكرهُهمْ ويَغارْ
سقطتْ فوقي أطنان الأشعار
من جوف أﺑﻲ تمَّام:
هذا الشاعر نمَّامْ
ذاكَ الشاعر صرصارْ
فسقطنا ﻓﻲ بحر التذكار:
كان الشعر نديّاً كالدافورْ
كان النصُّ كنهر الخابورْ.
2. عبد يغوث الحارثي:
أبانا الذي ﻓﻲ دمشق الطيُوبْ
ألوبُ حواليكَ، أنت شمالُ الجنوبْ.
أقول، وقد ... قطعوا شَرَياني ومرّوا
على جبهتي، واستراحوا على رئتي الميّتة
أقول، وقد تركتني المدائن تحت الخطر
وصرتُ سفيراً لجوعي وفقري ونومي
على طاولات المقاهي، وخوفي من المنتظر
حديثي عن الأمّة الساكتة
غنائي عن الجوع والثورة الغامضة
كأني أرى مجزرة
كتبتُ على اللافتة:
أبانا الذي ﻓﻲ دمشق
أزورك هذا المساء، وللريح ﻓﻲ شرقنا زمجرة
وأبكي ترابك، أشكو إليك زماني،
زمانك كالمحبرة
وهذا أنا كالحمامة أنتظر الماء حتّى يغيب
لينفرج الهمّ عن كاهل الأرض،
تنجب من رملها جوهرة
ونحن عطاشٌ لماء دمشق القديم.
ستحمل ﻓﻲ جانحيك عذاب المنافي،
لتصرخ قرب المذابح ﻓﻲ الأديرة
فأجنحة الشمع كادت تذوب
أتقسمُ أن لا تتوب؟!
فقد قتلوك كما قتلوني
زرعتك صفصافةً ﻓﻲ عيوني
ﻭﻓﻲ المقبرة
وقلتُ: يعود لنا من قبور الشهادةِ،
يخرج من جوف صحرائنا المقفرة
يُغمغمُ، يركض كالسهم، يركب فوق حصانٍ
من الحور، صاغوه ﻓﻲ قاسيون
وصلّتْ له فاتنات دمشق، وغنّى له السَحَرَةْ
وطافوا حواليه بالصمت والمبخرة.
ذكرتُ دمشق كما يذكر الطفلُ أثداء سيّدةٍ ...
ﻓﻲ البلاد التي هجرتها الجيوش
ذكرت دمشق، ظللتُ أنادي عصافيرها
الضاحكات ... وأسواقها والنساء
وأذكر باب دمشق وحاراتها،
ﺛﻢَّ أسوار جامعة القلب والشعراءْ
تعيشون يا أهلها ... وأنا لا أعيش!!!
أبانا الذي ﻓﻲ دمشق الطُيوبْ
ألوب حواليك، أنت شمال الجنوب.
3. موشح:
زمان الهوى يا عيوني، تولَّى وراحْ
لأنك ﻓﻲ فاتنات دمشقَ تُثير الحنينْ
لأنك من كوكب الياسمينْ
تحبُّ صهيل المزاحْ
سماحٌ، سماحٌ، عليك السماحْ
فضاءٌ يؤرخ للراقصينْ
مساءٌ يزمجر كالبحر ﻓﻲ ساحة المرجة الطافحة
برائحة الفُلفل البدويّ الذي ﻓﻲ العيونْ
أفتش يا فتنة النار عن قَفْلةٍ حارقة
تليقُ بعشقكِ يا طاغية.
لماذا أموت، ولا تبعثين السلاماتِ والكلماتِ
المضاءة تحت الشجر
لماذا يغلّفك الصمت والكبرياء
لماذا أعيش على طيف صورتكِ الساكتة!!!
4. خولة:
أنا ﻓﻲ مدائنك الموحشة
رصيفٌ تبلَّل قبل الصباحْ
لكي أتقحّم هذي الجرود، وهذي البطاحْ
ومن أجل عينيك شقَّتْ سيوفي خيام السماءْ
أنا ﻓﻲ مدائنك الموحشة
رصيفٌ عتيق، يفتش عن وجع الأرغفة
أَأقعد وسْط العشيرة مثل الخليع؟!!
وهل سيف دولتها يستحقُّ الرثاءْ
أنا جاهزٌ للعراك على نجمة تستحق العناءْ
أُجندلُ رهطاً من الشعراء الرواة
أنا ملكُ الشعر، من لغتي يصنعون الدُّروعْ
ومن لغة الآخرين، الصفيحْ
فأين امَّحى شعراء الهجاء.؟!!
وأين اختفى شعراء المديح؟!!