لي حارة في القاهرة - عزالدين المناصرة

ﻟﻲ حارةٌ ﻓﻲ القاهرةْ
ﻟﻲ خانٌ للطمأنينة،، ﻟﻲ مقهىً أخضرْ.
- حين تمرُّ تفَّاحةُ الصباح
يرتجفُ قلبي، مثل طُعمِ صُنّارةٍ تتلولحُ في الهواء.
حين تمرّ تفّاحةُ الحنين،
تَشْعَطُنا بالنّار، تكوي شرايين الحارات.
حين تمر تفاحة الشبق،
تتقصَّعُ ﻓﻲ مشيتها، كالشعر الحُرّ،
تهزّ الأرداف، كإيقاع نثري.
- لماذا إذن، لا أقول، رأساً:
دون كافاتِ التشبيه:
مسألة تُغريني،
حين أُناوِشُكِ، فتتدلعين، كالهرّة
يا مهرةً غنوجاً، يا رُمّانةً نديّة
ﻓﻲ المشربيّات العثمانية.
لماذا تشوين قلبي، حجلاً برّياً،
ﻓﻲ موقدك الثلاثي العتيق،
قرب نبع روماني ﻓﻲ الوادي،
دون رحمة، دون نظرة، دون مداعباتْ.
الماء يتدفّق ناصعاً ﻓﻲ سراويل الخلوة
حيث الماء جذري، والتراب يقيني
العاﻟﻢ، فواصلُ، نقاطٌ، وعلامات
فحولةُ الرغبات ... ﻭﻓﻲ النهاية، ترابْ.
لماذا لا أقول مباشرةً،
دون وسائط نقلٍ، أو مواصلاتْ:
نكتوي بالتأمل، أحياناً بالثلج، وأحياناً بالنار
فلماذا لا نعترف، بهواء الاسترخاء
حين تكون المسافة مُعقّدةً،
نتشابكُ فيها، طيناً، مثل امتزاج عناصرنا
لماذا تكون نار التوتر، علامةً سحريّة
لماذا يرقص التفاح، ﻓﻲ النثر أيضاً!!!
ﻟﻲ حارةٌ ﻓﻲ القاهرةْ
ﻟﻲ خانٌ للطمأنينةِ، ﻟﻲ مقهىً أخضرْ.
سأقول، دون لفّ، ولا دوران، حول القلب:
أنتِ المسافةُ بين الأمكنة المغروسة ﻓﻲ الرأس،
ﻓﻲ الرأس، يولدُ حنين الإشارات
أنتِ المسافة بين ظنوني، وظنوني
مسألةٌ تغريني
حين تمرُّ نهود الساحرات، على قشّ العرباتْ
أنت دمي المهدور، ﻓﻲ الثغور، والمفترقات
أقرأُ النحاسَ المنقوشَ،
أقرأ النارجيلاتِ، أقرأ طريقَ الخليلْ.
لماذا، لا أقول بصراحة أخوية:
ادخُلي، ادخُلي، يا تفّاحة الصباح،
كرذاذ قشر البرتقال ﻓﻲ أنحائي،
لملميني، قطعةً، قطعةً من الطمي،
لكي يمرَّ النيلُ الحبشيُّ، النيلُ الأزرقُ،
النيل الأحمر، مثل فتيات القرابين،
تحت القدمين، فألعبُ بأطراف أصابعي
يهرب هذا الماء، كبيضةٍ خداج.
ﻓﻲ الليل جاءتْ حبيبتي، التي ﻓﻲ كتاب النصوصِ،
واعدتْني ... ﻓﻲ خيمة بَنَفْسَجِيَّة
وأنا أبحث عن سورة الآه، عن رائحةٍ ما،
عن عطر خليليّ، لا يعرف أحدٌ منفاه.
يعتصرُ الراوي، قيثارته ﻓﻲ الطرقات،
هبط علينا كالحرقةِ،
ﻟﻤﺎ راح يغنّي،
عن برقِ خليليّ، يلمع ﻓﻲ صخب الحاراتْ
قرب رُواق الشامْ.
ﻟﻲ حارةٌ ﻓﻲ القاهرةْ
ﻟﻲ خانٌ للطمأنينة، ﻟﻲ مقهىً أخضرْ.
ها أنذا ،
أسقط مغشياً عليَّ ... ﻓﻲ نفق التشبيهِ،
تصرعني، تفاحة كافِ الجبل ﻓﻲ النصوص،
جرارهم، ترشح بماء الصيفِ،
قبعاتهم ترشحُ أرجواناً دمويًّا،
قُمصانُهم الكنعانية، مجدولةٌ من سعف التلحميةِ،
هزّي قلوبهم، مثل دِلْبِ الدالية ِ،
تسّاقطُ الأغاني والمواويلُ،
من (خِلّْ إيل) الدلعونا، ﺇﻟﻰ جرار الإسكندرية
من عَتابا بني نعيم، ﺇﻟﻰ مواويل الصعيدْ.
ﻟﻲ حارةٌ ﻓﻲ القاهرةْ
ﻟﻲ خانٌ للطأنينة، ﻟﻲ مقهىً أخضرْ.
أمسكُ الجمرةَ بملقطي،
أسندُها على عرش النارجيلة، كعروسِ،
وأُقلّبها، كما الأوجاعْ
أخضُّها بين يديَّ، كقِرْبةٍ بدويةٍ، مثل هواجسي
وأنا أمصمصُ حبّات التوت،
أرمي أليافَ الخوفِ عن كاهلي،
يتصاعد الدخان أفعىً، تتمدد كالريحِ،
ﻓﻲ طمأنينة النيل النجاشيِّ،
ﻓﻲ شروش جذورها الريحاويةِ،
من ذيل ثوبها الطاووس،
ﺇﻟﻰ قبة الصدر المطرز بالأغاني.
- ﺛﻢ فاجأني السيّد، دون تمهيدٍ، أو توطئةٍ، يا سيّدي:
هل تشرب شاياً أخضر، أيها السيّد؟!
ﻓﻲ شارعِ محمد علي، بعُطورهِ القديمةْ
أوْ ... ﻓﻲ (حارة المناصرةْ).!!
قلتُ له: يا سيّدي الأصفرْ:
تورّطتُ في عشق ما قاله الألمانيُّ،
المدعوُّ – برتولد بريشت،
عن الترحيل، والصراع الطبقيِّ ... والخليلْ
ومع هذا، ورغم هذا، يا سيّدي:
ﻟﻲ ... خانٌ للطمأنية، والرحيلْ
ﻟﻲ ... مقهىً أخضرْ
ﻟﻲ ... حارةٌ ﻓﻲ القاهرةْ.