يوميات جرح فلسطيني - فدوى طوقان

من الشاعر محمود درويش
"رباعيات مهداة إلى فدوى طوقان"
"محمود درويش"
(1)
نحن في حل من التذكار فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
ولا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي
نحن في لحم بلادي، وهي فينا
(2)
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا لم يتفتّت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعاراً ولكنّا نقاتل!
(3)
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطانٌ إله
جاء من شهر حزيران لكي يعصب -
بالشمس الجباه
إنه لون شهيدٍ
إنه طعم صلاه
انه يقتل أو يحيي، وفي الحالين: آه!
(4)
أول الليل على عينيك كان
في فؤادي قطرة من آخر الليل الطويل
والذي يجمعنا الساعة في هذا المكان
شارع العودة .. من عصر الذبول!
(5)
صوتك الليلة سكينٌ وجرحٌ وضمادُ
ونعاسٌ جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفى وعادوا
مرةً أخرى سبايا
(6)
كلمات الحب لم تصدأ ولكن الحبيب
واقع في الأسر - يا حبي الذي حمّلني
شرفات خلعتها الريح .. أعتاب بيوت وذنوب
لم يسمع قلبي سوى عينيك في يوم من الأيام
والآن اغتنى بالوطن! ..
(7)
وعرفنا ما الذي يجعل صوت القبّره
خنجراً يلمع في وجه الغزاه
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبره
مهرجاناً وبساتين حياه!
(8)
عندما كنتِ تغنِّين رأيت الشرفات
تهجر الجدران والساحة ترتدّ إلى
خصر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى ولا تبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل!
(9)
في دمى من وجهه صيفٌ ونبضٌ مستعار
عدت خجلان إلى البيت، فقد خرّ على -
جرحي شهيداً
كان مأوى ليلة الميلاد كان الانتظار
وأنا أقطف من ذكراه عيداً
(10)
الندى والنار عيناه، إذا ازددتُ
اقتراباً منه .. غنّى
وتبخّرت على ساعده لحظة صمت وصلاه
آه سمّيه كما شئتِ شهيداً
إنّه أجمل منّا
غادر الكوخ فتى ثم أتى حين أتى
وجه إله!
(11)
هذه الأرض التي تمتصّ جلد الشهداء
تعدُ الصيفَ بقمحٍ وكواكب
فاعبديها نحن في أحشائها ملحٌ وماء
وعلى أحضانها جرحٌ .. يحارب
(12)
دمعتي في الحلِ يا أختُ، وفي عينيّ -
نار
وتحررتُ من الشكوى على باب الخليفة
كل ما ماتوا، ومن سوف يموتون على -
باب النار
عانقوني، صنعوا منّي قذيفة !
(13)
منزل الأحباب مهجور، ويافا
تُرجمتْ حتى النُخاع
والتي تبحث عني لم تجد مني سوى جبهتها !
اتركي لي كل هذا الموت يا اخت، اتركي -
هذا الضياع
فأنا أضفره نجماً على نكبتها ؟!
(14)
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبه
وأنا لست مسافر
انني العاشق والأرض حبيبه !
(15)
واذا استرسلت في الذكرى نما
في جبهتي عشب الندم
وتحسّرتُ على شيء بعيد
وإذا استسلمت للشوق
تبنّيتُ أساطير العبيد
وأنا آثرتُ أن أجعلَ من صوتي حصاةً
ومن الصخر نغم !
(16)
جبهتي لا تحمل الظلَّ وظلّي لا أراه
وأنا أبصق في الجرح الذي لا
يشعل الليل جباه
خبِّئي الدمعة للعيد فلن نبكي -
سوى من فرحٍ
ولنسمِّ الموت في الساة عرساً ..
وحياه !
(17)
وترعرعت على الجرح وما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمه
أنا من ضيعتُ ينبوعي وعنواني واسمي
ولذا أبصرتُ في أسمائها ملون نجمه !
(18)
رايتي سوداء، والميناء تابوت، وظهري
قنطره
يا خريفَ العمرِ المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراء والميناء مفتوح، وقلبي
شجره
(19)
لغتي صورت خرير الماء في نهر الزوابع
ومرايا الشمس والحنطة في ساحةِ حرب
ربما أخطأت في التعبير أحياناً
ولكن كنت -لا أخجل - رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي !
(20)
كان لا بد من الأعداء كي نعرف أنّا
توأمان !
كان لا بد من الريح لكي نسكن
جذع السنديان
ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على
عرش الصليب
ظلَّ طفلاً ضائع الجرح .. جبان
(21)
لكِ عندي كلمه
لم أقلها بعد، فالظل على الشرفة يحتلّ
القمر
وبلادي ملحمه
كنت فيها عازفاً، صرتُ وتر !
(22)
عالِمُ الآثار مشغول بتحليل الحجاره
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني
عابر في الدرب لا عينان لي لا حرف في
سفر الحضاره !
وأنا أزرع أشجاري على مهلي وعن
حبّي أغني
(23)
غيمة الصيف لتي يحملها ظهر الهزيمة
علّقت نسلَ السلاطين على حبل السراب
وأنا المقتولُ والمولود في ليل الجريمه
ها أنا ازددت التصاقاً بالتراب
(24)
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل وآن
لي أن أثبت حبي للثرى والقبره
فالعصا تفترس القيثار في هذا
الزمان
وأنا أصغر في المرآه، مُذ لاحت
لعيني شجره !