مكابرة - فدوى طوقان

أهذا أنت ؟ من أيّ الكهوف –
بزغت يا وجهاً طمرناه
وألقيناه في الغيهب ، في أعماق
ماضينا
وروحنا نشرب النسيان في صمت
وفي صمت نعبّ مرارة التسليم
والإدغان للأقدار يوم هوى
بنا البنيان واندحرت أمانينا
.......................................
أما كنّا تشاغلنا
عن التذكار والأشواق !
وفوق كآبة الأعماق أسدلنا
ستار الرفض والكبر
وقلنا للعيون الطائشات السود –
قلنا : يا أعزّ عيون
صحونا ، نحن بعد اليوم لن نسكر
فردّي الكأس عنّا يا
أعزّ عيون .
وروحنا نخنق الإحساس نلجمه
بهذا القلب ، نلجم رعشة –
الإحساس والشعر
وكانت أجمل الأشعار ما زالت
بهذا القلب ترعش فيه لكنّا
وأناها وقلنا لن
نريق سدىً أغانينا
ولن نسقي غرور الزنبق النشوان –
مهما رفّ ، لن نسقيه –
حتى غابة العطر
خنقنا نفحها فينا
وفوق كآبة الأعماق أسدلنا
ستار الرفض والكبر
................................
شغلنا عنك انفتحتْ
لنا الآفاق تدعونا
تجدّ لنا منىً أخرى
وتزرع حولنا الأفياء تمطرنا
بألف رجاء
وقلنا : يا خلاص الروح
أخيراً قد تعافينا
فلا تحنان ، لا أشواق ، لا ذكرى
تنادينا
.....................................
فمن أيّ الكهوف بزغت –
يا وجهاً عبدناه
زماناً ، ثم في أعماق ماضينا طمرناه
أما كنّا ذهلنا عنك حتى قيل –
لم نعرف هواك ؟ فأي ينبوعٍ
من التحنان و الذكرى
من التهيام و الذكرى
تفجّر بغتةً فينا
....................................
نكابر ، ندّعي أنا
تعافينا .
نكابر ، يا ضلال الكبر ، يأبى أن
يقرّ الكبر أنك في قراراتنا
نداء قاهر كالموت . كالأقدار –
يأتي أن
يقرّ الكبر أنكّ لهفة أبدية –
فينا
و لا شيء يبقى
معاً نحن هذا المساء و تطويك
عني غداً
ضراوة هذي الحياة
ستقصيك عني بحارٌ
و هيهات بعدُ أراك
سأجهل دوماً إلى أين أفضى
مسيرك ، أيّ اتجاه
أخذتّ ، و أي مصير خفي
حثثت إليه خطاك
ستمضي ، و سارق كل جميل –
و غال لدنيا
سيسرق هذي الهناءة منا
و يفرغ منها يدينا
غداً مع وجه الصباح ستمضي كطيف
كظلّ غمام لطيف عبر
سريع الحطى في ظهيرة صيف
و عطرك – عطر له فوجان الحياة
بقلبي
و رائحة الأرض غبّ عطاء المطر
و نفح الشجر –
سأفقده حين تمضي غداً
و لا شيء يبقى
ككل جميل و غال لدنيا
يضيع ، يضيع و لا شيء يبقى