في المدينة الهرمة - فدوى طوقان

( رحلة التداعي في هذه القصيدة
تجري بين شارع وكسفورد في لندن
وسوق العطارين في نابلس .
الرحلة تبدأ عند اشارة الضوء الأحمر وتنتهي
عند اشارة الضوء الأخضر ).
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
بغير تماس
ويكتسح المد هذي الشوارع والأرصفه
وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ ، تموج
على السطح ، يقطن فيها اليباس ، تبقى
بغير تماس .
هنا الإقتراب بغير اقتراب
هنا اللاّحضور حضورٌ ، ولا شيء الاّ
حضور الغياب
. . . . . .
. . . . . .
ويحمرّ ضوء الإشارة والمدّ يرتد.
تعود الخفافيش للذاكره
ونصف مزنجرة تعبر السوق ، أفسح
فيه مكاناً لتعبر ، إنّي تعلّمت
ألاّ أعرقل خطّ المرور. . .
هنا كان سوق النخاسة، باعوا هنا
والديّ وأهلي
فقد جاء وقتٌ سمعنا الذي منع
الرقّ والبيع نادى على الحر : من
يشتري !
وهذي أنا اليوم جزء من الصفقة
الرابحه
أمارس حمل الخطيئة؛ معصيتي أنني
غرسة اطلتها جبال فلسطين . . من
مات أمس استراح ؛
القبور تئنّ وتلعني حين أفسح في
ثم أمضى بغير اكتراث)
ونابلس هادئة والحياة تسير كماء
النهر . . .
يبادلنني خاتم السجن صمتاً فصيحاً (يقول
لها حارس السجن إنّ الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
لها حارس السجن إنّ الشجر
إن الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
بالغابة التي تركتها تؤجّ بنيرانها
قبل خمس سنين
وتسمع في الحلم زمجرة الريح بين المعابر .
تقول لسجّانها : لا أصدق ، كيف
اصدّق من جاء من صلبهم ؟
تظلّون يا حارسي أنبياء الكذب
وتقبع في ظلمة السجن تحلم
يظلّها الشجر المنتصب
وتفرحها غابةٌ في البعيد تصلصل
فيها سيوف اللهب
وتحلم عائشة ثم تحلم . . . )
ويخضرّ ذاكرتي ، والخفافيش تهوي الى
قاع بئر غميقه
يغــّر ظلٌ طريقه
يتابع ظلـّي ، يوازيه ، يمتد جسرٌ:
- لعلك مثلي غريبة ؟
وتنفصل القطتان عن المدّ ثم تغيبان
بين زوايا حديقه
. . . . . .
- تحبين أوزبورن ؟
- و من لا يحبّه؟
- عجائز انكلترا المحبطون وضباطها
الآفلون مع الشمس (( غرب السويس ))
- ترى من سيزرعها شجرة الغد
لهذا البلد ؟
- شباب الهيبيز . . .
- ذاعٌ انت لاذع
ويجتازها سيلهم وهو يجرف تربة لندن
ونسمع صوت انهياراتها
على وقع دقّات (( بج بن ))
. . . . . . .
- هنالك في العطفة الجانبية حانوت خمر
وفي النّزل ذوقٌ وتدفئة مركزية . .
- سدىً ما تحاول
(وتعبر سيدة لندنية
تبث وتشكو إلى كلبها وخز
عرق النّسا والتهاب المفاصل )
- سدى ما تحاول
-ألست ابنة العصر ؟
- كبرت عن الطيش صيّرني الحزن
بنت مئات السنين ،
سدىً ما تحاول .
وارفع عن كتفيّ ذراعيه أفلت خارج
طوق التواصل .
- تحاصرني وحدتي
-كلنا في حصار التوحّد
وحيدون نحن ، نمارس لعبة هذي الحياه
وحيدون ، نحزن نألم نشقى وحيدين
نموت وحيدين ؛
وحيداً تظل ولو حضنتك مئات النساء
. . . . . . .
وتلقفنا في المدينة هذي الشوارع
والأرصفه
مع الناس ، يخرفنا مدّها البشريّ
نموج مع الموج فيها ،
نظلّ على السطح فيها ،
بغير تماس.
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .