حمزه - فدوى طوقان

(1)
كان حمزه
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيّباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبين
* * *
قال لي حين التقينا ذات يومِ
وأنا أخبط في تيه الهزيمه:
اصمدي، لال تضعفي يا ابنة عمي
هذه الأرض التي تحصدها -
نار الجريمه
والتي تنكمش اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبها المغدور حياً لا يموت
* * *
هذه الأرض امرأة
في الأخاديد وفي الأرحام -
سر الخصبِ واحد
قوَّةُ السرِّ التي تُنبتُ نخلاً -
وسنابل
تُنبتُ الشعب المقاتل
* * *
دارت الأيام لم التق فيها -
يابن عمّي
غير أنّي كنتُ أدري
أنَّ يطن الأرض تعلو وتميد
بمخاضٍ وبميلادٍ جديد
(2)
كانت الخمسة والستُّون عام
صخرةً صمّاءَ تستوطن ظهره
حين ألقى حاكمُ البلدة أمره:
"انسفوا الدار وشدّوا
إبنه في غرفة التعذيب !" ألقى
ثم قام
يتغنّى بمعاني الحبِّ والأمنِ -
وإحلال السلام !
* * *
طوَّق الجندُ حواشي الدار -
والأفعى تلوَّتْ
وأتمّت ببراعه
اكتمال الدائره
وتعالت طرقات آمره :
"اتركوا الدار" ! وجادوا بعطاءِ
ساعةٍ أو بعض ساعه
* * *
فتّح الشرفات حمزه
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى:
"يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت"
وسرت في عصب البلدة هزّه
حينما ردَّ الصدى صرخة حمزه
وطوى الدارَ خشوعٌ وسكوت
* * *
ساعةٌ، وارتفعت ثم هوت
غرُ الدار الشهيده
وانحنى فيها ركام الحجرات
يحضنٌ الأحلام والدفء الذي كان - ويطوي
في ثناياه حصاد العمر، ذكرى
سنوات
عُمِّر بالكدح، بالأصرار؛ بالدمعِ -
بضحكاتٍ سعيده
........
أمس أبصرتُ ابنَ عمي في الطريق
يدفعُ الخطو على الدرب بعزمٍ ويقين !
لم يزل حمزه مرفوعَ الجبين