الصورة والتذكار - محمد القيسي

-1-
وأذكر لم يكن أحد ,
عشيّة أن رحلت فعادني حزني
تلفّت قلبي الموجوع بالأشواق
وألقى نظرة مكسورة الأهداب ,
فوق رفوف مكتبتي ..
وكان فراس
جميلا يرسم البسمات خلف إطار
وكان فراق
يجلّل وجه أمّي بالأسى ,
فتهمّ أن تبكي ..
فأضحك كي تشاركني
وفي جنبات قلبي يطلع الصبّار
فيا تعبي :
أشيل حقائبي , أمشي ..
ولا ألقاكمو قربي ‍
وأحمل ما تضيق به الجوانح ,
-2-
يا شوارع أينهم صحبي ؟1
ويا مقهى " رقيق الحال " كانوا ..
أمس في ركنك
ترى غابوا ؟‍
فهات إذن " طويل العنق " , أشربه ,
وآخذه معي تذكار
ونمشي والطريق أمامنا تمتدّ للصحراء
فتورق في القرار قصائد التحنان ,
أدرك أنّني في التيه ..
أنقل يا أحبّائي الخطى
وأكابد الإعياء
وأقرأ فوق صفحة هذه الكثبان
رسائلكم
تقول سطورها ويجاهر العنوان
بأنّ طريقنا تفضي إلى البحر
فعد يا أيّها الربّان ,
عد لعروسة الفقر ..
وأومن أن في كلماتكم ..
يا أيّها الأحباب منجاتي
من التجوال والغربة
وأومن أنّ نارا في العروق تعانق الآتي
وتبدع من أحاسيس العذاب خيوط رايتنا
-3-
وماذا بعد ؟
وماذا ينبيء العرّاف , ماذا تضمر الأيام ؟
يقول الكفّ أنّي ..
سوف أرحل باتجاه جزيرة الأحلام
وسوف أخوض نهرا من دم ,
ويصير لون قميصي الكاكيّ ..
أحمر مثل حطّة والدي ,
- الله يرحمه – أبيّا كان
فعاجله رصاص الإنجليز ,
- وكان عمري يومها سنتين –
فهاهت ساعة أمي ,
وكان البين
عميق الحزن ,
فيا أحباب
بعيد ذلك الجرح الذي ,
يمتدّ من عمري
إلى قبري
فذاكرة الطفولة لا تموت ,
ولم تزل في دفتري صورة
لأمي وهي جاثية أمام أبي
وكان جبينه ينزف
وكانت ساقه تنزف
ولهوي يومها بعقاله ,
فلبسته وركضت في الحارة
فأشرق وجهه بالبشر ..
أذكر أنّه قد قال :
" يا ولدي "
وأحنى رأسه وغفا
ولم ~أعرف
لماذا كان يبتسم لي ..
لماذا كان يبتسم لي ‍