رجل وإمرأة وغياب - إبراهيم محمد إبراهيم

في طاولةٍ ،
وأنا الرجلُ المحضُ ،
وحيداً أجلسُ ..
أوْدَعَنِي الّليلُ
على طاولةٍ وحدي .
وهي امْرةٌ مَحْضٌ ،
تغزِلُ عمرَ الحبِّ وتنقُضُهُ ،
ثُم تعودُ وتغزِلُهُ ..
طاولتي ،
أوسعُ من كأس ٍ فارِغةٍ
ويدٍ تمتدُّ إلى الوهم ِ
وأضيقُ مما أحملُ ..
يا امْرأةً
تنثُرُني في الكون ِ
لتجمعني ،
رجلاً مَحْضاً
لا يكتبُ ،
إلا في عينيها
الشاردتينِ
الغاضبتين ِ
الناعستين ِ
الباحثتين ِ عن الحبّ
بعينيّ
الشاردتين ِ
الغاضبتينْ .
ترمُقُني من بُعدٍ ..
فأراها خلفَ بحارِ الدنيا
مملكةً ،
لا يدخُلُها غيري .
أضعُ السيفَ
وكلّ عتادِ الحربِ
وأخلعُ نعليَّ
لأدخُلَ مملكتي .
مملكتي ،
تُشهرُ سيفَ الحبّ بوجهي
وتقولُ تأخّرتَ ..
تأخّرتُ
تأخّرتُ
لأنّي ..
- لاعُذرَ لديكَ ، تأخّرتَ ،
وعُد من حيثُ أتيتَ .
فعُدتُ إلى طاولةٍ
أوسعُ من كأسٍ فارِغةٍ
ويدٍ تمتدُّ إلى الوهم ِ .
كتبتُ الفصلَ الأوّلَ
من قصّتنا :
رجُلٌ محضٌ ،
وامرأةٌ محضٌ ،
وغيابٌ يجمعُ بينهُما ..
ليعودا ،
قلبين ِ
بعيدين ِ
قريبين ِ
حبيبين ِ
غريبينْ .
قصّتنا أطوَلُ
من هذا الليلِ،
وأوسعُ من طاولتي ..
كيفَ أُريقُ الحبرَ على طاولةٍ
لا تحملُ إلا كأساً فارغةً
ويداً تمتد إلى الوهم ِ ؟
وكيفَ أُحمّلُ هذاالليلَ القاصِرَ
فيضَ جنوني ؟
سأعودُ إلى الغُرفةِ ،
كي لا يسخرَ هذا البردُ القارصُ
من عَرَقِي ..
فالمشوارُ طويلٌ
واللغةُ العربيةُ لا تُسعِفُني
حتى في الغُرفةِ ..
يبدو أن فرنسا لا تفهمُني !
لا بأسَ
كِلانا لا يفهمُ صاحبهُ .
لكن حبيبةَ قلبي ،
لا تفهمُني أيضا ..
- تلكَ مُغامرةٌ أخرى
في لغةِ العشق ِ
وثرثرةِ المهزومينْ .
الحربُ هنا ،
باردةٌ جداً ..
ليس بها غيرُ الصمتِ ،
وبعض ِ الكلماتِ المدروسةِ
حتى الموتْ .
ما أصعبَ أن تكبُرَ
فيكَ اللغةُ العربيّةُ
ثمّ تشيخَ
وتُصبِحَ لغةً أخرى ..
تلك أُصولُ اللُّعبةِ ،
- جَمِّلها بقليلٍ مما تضعُ
الباريسيّاتُ إذا شِخْنَ
على أوجُهِهِنَّ ،
وقُل : هذي لُغتي ..
- هذا كذبٌ
لُغتي طفلٌ ،
لا يُنهِكُهُ الحبُّ .
سأحملهُ في الصدرِ
وأسقيهِ بقلبي
حتى ينفُذَ جورِياً في خدّيها ..
وأقول لها :
هذي لُغتي .