الغريب - أديب كمال الدين

(1)
توقّفَ الغريبُ، عند النبع، وقت الغروب
توقّفَ ليشرب وحصانه الماء
فوجدَ عيناً بشرية
ويداً بشرية
وقناعاً من الذهب
وبيضةً من الذهب
وكتاباً كبيراً.
(2)
تأمّل الغريبُ طويلاً في ماءِ النبع
حتّى خاطبه النبع:
أيّها الغريب
اخترْ شيئاً واحداً ولا تزدْ
واعلمْ أنّ العينَ ستجعلكَ ترى الغيب
واليد ستصنع منكَ المحاربَ الشجاع
والقناع سيجعلُ النسوة
في كلّ زمانٍ ومكان
يتسابقن للقياك
والبيضة ستصنع منكَ أثرى الأثرياء
والكتاب سيجعلكَ الحكيمَ الأعظم.
ضحكَ الغريبُ من كلامِ النبع
حتّى اغرورقتْ عيناه بالدموع.
وقالَ له: شكراً أيّها النبع
لا أريد العينَ ولا اليد
لا القناعَ ولا البيضةَ ولا الكتاب
أنا الغريب
لا أرض لي ولا هدف
لا وجهة ولا رغبة ولا قرار.
جرّبتُ الحكمةَ والغيبَ والنساء
واللهو والغنى والحروب
فلم أجدْ أيّ شيء يعينني
على عذابي المقيمِ وضياعي المكتوب.
ثم صمتَ الغريبُ طويلاً وقال:
أيّها النبع،
هل عندكَ دواء للسأم؟
* قالَ النبع: لا.
وهل عندكَ دواء للغربة؟
* قالَ النبع: لا.
وهل عندكَ دواء للموت؟
* قالَ النبع: لا.
فضحكَ الغريبُ ثانيةً
حتّى اغرورقتْ عيناه بالدموع.
(3)
خجلَ النبعُ من كلامِ الغريب
وصارَ ماؤه يشحبُ شيئاً فشيئاً
حتّى أصبح،
بعد أربعين يوماً،
أثراً بعد عين.