لبنان - إيليا أبو ماضي

إثنان أعيا الدهر أن يبليهما
لبنان و لأمل الذي لذويه

نشتاقه و الصيف فوق هضابه
و نحبّه و الثلج في واديه

و إذا تمدّ له ذكاء حبالها
بقلائد العقيان تستغويه

و إذا تنقّطه السماء عشيّة
بالأنجم الزهراء تسترضيه

و إذا الصّبايا في الحقول كزهرها
يضحكن ضحكا لا تكلّف فيه

هنّ اللّواتي قد خلقن لي الهوى
و سقيتني السحر الذي أسقيه

هذا الذي صان الشّباب من البلى
و أبى على الأيّام أن تطويه

...

و لربّما جبل أشبّهه به
مسترسلا مع روعة التشبيه

فأقول يحكيه ، و أعلم أنّه
مهما سما هيهات أن يحكيه

يا لذّة مكذوبة يلهو بها
قلبي و يعرف أنّها تؤذيه

إنّي أذكّره بذيّاك الحمى
و جماله و إخالني أنسيه

و إذا الحقائق أحرجت صدر الفتى
ألقى مقالده إلى التمويه

وطني ستبقى الأرض عندي كلّها
حتّى أعوذ إليه أرض التيه

سألوه الجمال فقال : هذا هيكلي
و الشعر قال : بنيت عرشي فيه

الأرض تستجدّي الخضمّ مياهه
و كنوزه و البحر يستجديه

يمسي و يصبح و هو منطرح على
أقدامه طمعا بما يحويه

أعطاه بعض وقاره حتّى إذا
استجداه ثانية سخا ببنيه

لبنان صن كنز العزائم واقتصد
أخشى مع الإسراف أن تفنيه

...

غيري يراه سياسة وطوائفا
و يظلّ يزعم أنّه رائيه

و يروح من إشفاقه يبكي له
لبنان أنت أحقّ أن تبكيه

لا يسفر الحسن النزيه لناظر
ما دام منه الطّرف غير نزيه

...

قل للألى رفعوا التخوم
ضيّقتم الدّنيا على أهليه

و لمن يقولون الفرنج حماته
الله قبل سيوفهم حاميه

...

يا صاحبي ، يهنيك أنّك في غد
ستعانق الأحباب في ناديه

و تلذّ بالأرواح تعبق بالشّذى
و تهزّك الأنغام من شاديه

إن حدّثوك عن النعيم فأطنبوا
فاشتقته لا تنس أنّك فيه !