الماهدون في المهجر - إيليا أبو ماضي

ألا و بعون لو أنّها تتكلّم
لروت لنا قصص للعظام عنكم

و لحدّثتنا عن أعشاشكم
طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم

يوم الفراق كظمتم آلامكم
و أخفّ من ألم الفراق جهنّم

و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم
تعصى البكا ؛ حزن الجبابر أبكم

أيد تودّع موطنا و عشيرة
و مطامح خلف البحار تسلّم

ضاقت على أحلامهم تلك القرى
فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا

و غزوتم الآفاق لا زاد لكم
إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم

كاللّيث ليس سلاح في السّرى
مخالبه التي لا تلثم

تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا
و انداح بين الشّاطئين لتسلموا

و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة
كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم

و الموج ‘ذ يطغى و يهدر حولكم
جوقا لطرد همومكم يترنّم

و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى
خلتم لأجلكم تضيء الأنجم

و حسبتم شمّ الجبال سلالما
نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم

و الشمس منجم عسجد متكشّف
لذوي الطموح و أنتم أنتم هم

و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى
كالأرض يغشاها السراب الموهم

لتطلّ من أرواحنا أشواقها
فنطوف حول خدورها و نحوّم

لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم
لكم شراب في الحياة و مطعم

لو أن تكون حياتكم كحياتهم
عبثا يموت به الوقار و يعدم

و تأففا في اللّيل و هو منوّر
و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم

لو أن يكون ترثكم كتراثهم
قصر عفا أو هيكل متردّم

و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا
فهم سواء فقي القياس و جرهم

من يقترب من أمس يبعد عن غد
و يعش مع الموتى و يصبح منهم !

و كرهتم أن تنقضي أيامكم
شكوى لمن يرثي و من لا يرحم

أو أن يبيت على احضيض مقامكم
و الدود يزحف فوقه و الأرقم

فنفرتم كالنحل ، ما من زهرة
فيها جنى ، إلاّ و فيها مغنم

في كلّ شطّ مارد ، في كلّ طود
قشعم ، في كلّ واد ضيغم

المجد مطلبكم و أنتم سهّد
و المجد حلمكم و أنتم نوّم

لا شيء صعب عندكم حتى الردى
ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا

يا بضعة من أمّة
هي أمّة

فيكم جميع صفاتها و خلالها
و الروض يحويه عطورا قمقم

إنّ الألى الجهاد عليكم
علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...

طلبوا السلامة في القعود ففاقهم
درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا

هؤلاء دود القزّ أحسن منهم
و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !

قالوا كهول قد تصرّم عصرهم
ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !

إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا "
أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا

و لكم غد و جماله و بهاؤه
و لكم من الأمس النفيس القيّم

***

حدثت نفسي و القطار يخبّ بي
عجلان يخترق الدذجى و يدمدم

فسألها مستفهما ، لربما
سأل العليم سواه عمّا يعلم

ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم !
و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم

و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال ؟
قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم

و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم
و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم

ما كان أكمل يومكم و أتمّه
لو لم يكن في مهد عيسى مأتم

و كذا الحياة ، قديمها وحديثها ،
ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم