شاعر الشهور - إيليا أبو ماضي

" أيّار " ، يا شاعر الشهور
و بسمة الحبّ في الدهور

و خالق الزهر في الروابي
و خالق العطر في الزهور

و باعث الماء ذا خرير
و موجد السحر في الخرير

و غاسل الأفق و الدراري
و الأرض بالنور و العبير

لقد كسوت الثّرى لباسا
أجمل عندي من الحرير

ما فيك قرّ و لا هجير
ذهبت بالقرّ و الهجير

فلا ثلوج على الروابي
و لا غمام على البدور

أتيت فالكون مهرجان
من اللّذاذات و الحبور

أيقظت في الأنفس الأماني
و الابتسامات في الثغور

و كدت تحيي الموتى البوالي
و تنبت العشب في الصخور

و تجعل الشوك ذا أريج
و تجعل الصخر ذا شعور

فأينما سرت صوت بشرى
و كيفما ملت طيف نور

تشكو إليك الشتاء نفسي
و ما جناه من الشرور

كم لذّع الزّمهرير جلدي
و دبّ حتى إلى ضميري

فلذت بالصوف أتّقيه
فاخترق الصوف كالحرير

و كم ليال جلست وحدي
منقبض الصدر كالأسير

يهتزّ مع أنملي كتابي
و يرجف الحبر في السطور

تعول فيها الرياح حولي
كنائحات على أمير

و الغيث يهمي بلا انقطاع ،
و الرعد مستتبع الزئير

و اللّيل محلولك الحواشي
و صامت البدء و الأخير

و الشهب مرتاعة كطير
مختبئات من الصقور

في غرفتي موقد صغير
لله من موقدي الصغير !

يكاد ينقدّ جانباه
من شدّة الغيظ لا السعير

لولا لظاه رقصت فيها
بغير دفّ على سريري

و ساعة وجهها صفيق
كأنّه وجه مستعير

أبطأ في السير عقرباها
فأبطأ الوقت في المسير

حتّى كأنّ الزمان أعمى
يمشي على الشوك في الوعور

كنّا طوينا المنى و قلنا :
ما للأماني من نشور

فلو يزور الصدور حلم
عرّج منها على قبور

لقد تولّى الشتاء عنّا
فصفّقي ، يا منى و طيري !