الغابة المفقودة - إيليا أبو ماضي

يا لهفة النفس على غاية
كنت وهندا نلتقي فيها

أنا كما شاء الهوى و الصّبا
و هي كما شاءت أمانيها

تكاد من لطف معانيها
يشربها خاطر راثيها

آمنت بالله و آياته
أليس أنّ الله باريها ظ

...

نباغت الأزهار عند الضّحى
متّكئات في نواحيها

ألوى على الزّنبق نسرينها
و التفّ عاريها بكاسيها

و اختجلت في الشّمس ألوانها
كأنّها تذكر ماضيها

تآلفت ، فالماء من حولها
يرقص و الطير تغنّيها

من لقّن الطير أناشيدها ؟
و علّم الزهر تآخيها ؟

يا هند هذي معجزات الهوى
و إنّها فينا كما فيها

لا تستحي الزهر بإعلانها
فما لنا نحنت نواريها ؟

و تهتف الطير بها في الربى
فما لنا نحن نعمّها ظ

لله في الغابة أيّمنا
ما عابها إلاّ تلاشيها

طورا علينا ظلّ أدواحها
و تارة عطف دواليها

و تارة نلهو بأعنابها
و تارة نحصى أقاحيها

تسكت إذ نشكو شحاريرها
كأنّما التغريد يؤدّيها

و إن تضاحكا سمعنا الصدى
يضحك معنا في أقاصيها

و إن مشينا فوق كئبانها
لاحت فشاقتنا أدانيها

و فوقنا الأغصان معقودة
ذوائب طال تدلّيها

إذا هززها عن غرّة
ألقت من الذعر لآليها

نسير من كهف إلى جدول
نكتشف الأرض و نطويها

و النور عطر في تعاريجها
و العطر نور في حواشيها

و تختبي هند فأشتاقها
و أختبي عنها فأغريها

كم أوهمتني الخوف من طارىء
تشجي بذا نفسي فتشجيها

فرحت أعدو نحوها مشفقا
فكان ما حاذرت تمويها !

فاعجب لأطواري و أطوارها
تعبت منّي و أجاريها !

...

ألله لو دام زمان الهوى
و دام من هند تجنّيها

لا غابتي اليوم كعهدي بها
و لا التي أحببتها فيها

و لا تلال كهنود الدمى
و لا سفوح كتراقيها

و لا الندى درّ على عشبلها
و لا الأقاحي في روابيها

و لا الضّحى يلقى على أرضها
شبّاك تبر من أعاليها

أهبطني أمس إلى حضنها
شوقي إلى سجع قماريها

فلم تخمّشني بأوراقها
و لم تهلّل لي سواقيها

قد بدّل الإنسان أطوارها
و اغتصب الطيّر مآويها

وفتّ بالبارود جلمودها
واتثّ بالفأس دواليها

و شاد من أحجارها قرية
سكّانها الناس و أهلوها

...

يا لهفة النّفس على غابة
كنت و هندا نلتقي فيها

جنّة أحلامي و أحلامها
ودار حبّي و تصابيها

نبكي من اليأس على شوكها
و كان يدميني و يدميها

كانت تغطّينا بأوراقها
فصارت الدّور تغطّيها !