مصر و الشام - إيليا أبو ماضي

البلبل السجين يا ربّ بلا سناء
كأنّما بدره يتيم

مشى به اليأس في الرّخاء
كأنّه النار و الهشيم

*

ليت الدّجى رقّ للمحبّ
أو ليت لي مهجة حجر

أقضّ هذا الفراش جنبي
كأنّ في مضجعي الإبر

هل بك يا نجم مثل كربي ؟
أم أنت من طبعك السّهر ؟

سهرت شوقا إلى ذكاء ؟
أم عندك المقعد المقيم ؟

أبكي و تصغي إلى البكاء
يا ربّ ! هل تعشق النجوم ؟

*

قد نال فرط السّهاد منّي
و اشتاق طرفي إلى الهجوع

و قرّح الجفن ماء جفني
في الحبّ ما فاض من دموعي

و شاب رأسي من التّجنّي
ياليت ذا الشّيب في الولوع

لعلّ في سلوتي شفائي
هيهات . داء الهوى قديم

ما يحسب الناس في ردائي ؟
في بردتي هيكل رميم !

*

قد طال يا ليل فيك صبري
و أشبهت ساعك القرونا

فقل لهذي النجوم تسري
أو إسأل الصّبح أن يبينا

و إن تشأ أن تكون قبري
فكن كما شئت أن تكونا

في سكون إلى البلاء
قد يألف العلّة السّقيم

من كان في قبضة الهواء
هان على نفسه النّسيم !

*

قرّب بين الضّنى و جسمي
ما أبعد النّوم عن جفوني

يا ليل فيك الرّقاد خصمي
يا ليل ما فيك من معين

سوى شج همّه كهمّي
ينشد و اللّيل في سكون !

أيمرح البوم في الخلاء
و تمسك البلبل الهموم ؟

هذا ضلال من القضاء
فلا تلمني إذا ألوم

*

سا سيّد المنشدين طرّا
و صاحب المنطق المبين

لو كنت بوما أو كنت نسرا
ما بتّ في أسرك المهين

خلقت لما خلقت ، حرّا
فزجّك الحسن في السّجون

و أطلق البوم في الفضاء
زعم الورى أنّه دميم

و أنّه غير ذي رواء
و لا له صوت الرّخيم !

*

تيّمك الروض فيه حتّى
تخذت باحاته مقاما

رأيت فيه النعيم بحتا
و لم تر عنده الأناما

مدّوا الأحابيل فيه شتّى
أقلّها يجلب الحماما

لو كنت كالبوم في الجفاء
ما صادك المنظر الوسيم

أصبحت تبكي من الشّقاء
ليضحك الآسر المضيم !

*

و المرء وحش فإن ترقّى
أصبح شرا من الوحوش

فخفه حرّا و خفه رقّا
و خفه ملكا على العروش

فالشرّ في الناس كان خلقا
و أيّ طير بغير ريش ؟

ما قام فيهم أخو وفاء
يحفظ عهدا و لا رحيم

فكلّ مستضعف مرائي
و كلّ ذي قوّة غشوم !

*

إن كان للوحش من نيوب
فالناس أنيابهم حديد

ما كان ، و الله ، للحروب
لولا بنو آدم وجود

لو امّحى عالم الخطوب
لقام منهم لها معيد

قد نسبوا الظلم للسماء
و كلّهم جائر ظلوم

لم يخل منه أخو الثّراء
و لا الفتى البائس العديم

*

أعجب ما في بني التراب
قتالهم فوقه عليه

قد صيّر و الأرض كالكتاب
و انحشروا بين دفّتيه

و استعجلوا الموت بالعذاب
و كلّهم صائر إليه

ما خاب داع إلى العداء
و لم يفز ناصح حكيم

ما رغب الناس في الفناء
لكنّما ضاعت الحلوم !!

*

لو لم يك الظلم في الطّبائع
ما استنصر العاجز العداله

لو عدلت فيهم الشرائع
ما استحدثوا للقتال آله

عجبت للقاتل المدافع
جزاؤه الموت لا محاله

لكنّما سافكو الدماء
يوم الوغى قادة قروم

و هكذا المجرم الدائي
في عرفهم فاتح عظيم !

*

أقبح من هذه الضّلاله
أن يحكم الواحد الألوفا

و يدّعي الفضل و النّباله
من يسلب العامل الرّغيفا

يا قوم ما هذه الجهالة
قد حان أن تنصفوا الضّعيفا

فراقبوا ذمّة الإخاء
و لتنس أحقادها الخصوم !

لا تتبعوا سنّة البقاء
فإنّها سنّة ظلوم !