يا نهـر - بدر شاكر السياب

يا نهر عاد إليك بعد شتاته
صب يفيض الشوق من زفراته

حيران يرمق ضفتيك بلوعة
فيكاد يصرع شوقه عبراته

كم رافقتك فآنستك خطاه في
غدواته للحب أو روحاته

أفأنت تذكره وتحفظ عهده
أم قد نسيت عهوده وسماته

قد أنكرته فتاته وتبعتها
وهو الذي يفديكما بحياته

ليود من شغف بمائك لو غدا
ظلا يداعب فيه جنياته

متعلقا بشراع كل سفينة
ليجاذب الملاح أغنياته

وتلوذ أنوار النجوم بصدره
وتراقص الأمواج من ضحكاته

يا نهر أين مضى الزمان بأنسه
والمترع المعسول من كاساته

وهل اهتدى الزمن الحقود فغال ما
قد أودع المفؤود في خلواته

قبلاته في ضفتيك صريعة
أفهل حفظت له صدى قبلاته

أمواجك اللائي شهدن غرامه
وسمعن لوعته وبث شكاته

عبثت بهن من الليالي غدرة
وأضاعهن الجزر في سفراته

والدوح أسلم للبلى ورقاته
وثمالة القبلات في ورقاته

والريح أسامها انتظار إيابه
وأملها ترديد أغنياته

فرمت لطول عيائها مزماره
وعفا بمسمعها صدى نغماته

يا ساقي الشجرات ما لك لا ترى
إلا كئيبا لج في حسراته

وتطوف ما بين الرياض أباحثا
عن غائب حجب البعاد سماته

ما للروابي أرمتك شكاتها
والمرج ألقى فيك شباباته

فسل الربى عن نورها وزهورها
والمرج عن شعرائه ورعاته

ذهبوا فما في الروض إلا نائح
متفرد بدموعه وأذاته

حلو الخرير ملاذ كل معذب
ظمئ الفؤاد وأنت بعض سقاته