رحلة في لغة البكم - علي الفزاني

أتهجّى لغة البكم أداري
محنتي الصمت.. نواميس القبيلة
بدويُّ أرفض الأرض تدورْ
ثابت كالطوطم المغروس في إرث العشيرة
وإذا لاح الهلال
لاح لي وحدي- أنا الكون ومجدي العادياتْ
ومدى الأغنية المبحوحة الأوتار في حلق الدمن
موقد النار وصيحات من مغارات الذئاب
وإذا غاب المطر
في فجاج الأرض نغدو قوتنا نبتُ العرارْ
ربّما جاء إلينا زائرٌ نعله الفولاذ والخيلُ الحديد
يبتغي القَارَ- وشيئاً من قرار الأرض لا ندري مداه
لغة البكم مداها العوسجات!
ونباحٌ. وصياحٌ العنزة العجفاء في القفر اليباسْ
ومواعيد لاتي العزواتْ
شيخنا لا يقبل القسمة بعد الغنيمة
الجواري للنخاسات وتسبي المحصنات
زمن كالثلج- لا يقوى يذوب
وإله الشرق مأواه الصقيع
قتل الدفء فما أبقى اشتعالاَ
كلما ثارت- على الأرض براكين- وغاوتنا شموس
ضمنا كهف جديد
فحرام في مقامات القبيلة
تُبعدُ القملَ وأسراب الذبابْ
وحرام أن يرى الحراس في كفيك صفحات كتابْ
وحرام أن تزرع الأرض زهوراً ومشاتل
تحفر الأرض وتفتض مناهل
وحرام أن تقاتل
إرثك المملوءَ صلباً ومقاصلْ
وحرام أن تجادل
لغة البكم وترتاد المجاهلْ
* * *
عندما- رّفتْ- حمامة
بذرةً تحمل بشرى (عشتروتْ)
أقفلوا بوابة الأفق عليها فتاهت في المدار
حينما أنبت في الأحجار فأسي
فاتحاً في الصخرة الصماء كوة
رافضاً عادي ويأسي
ورأيت الله في البر والبحر شموساً
وعصافير جميلة
جرَّني- شيخ القبيلة
لقرار البئر- لكن-
رغم منفاي الطويل
يحمل الضوء صراخي للملايين فتصعد
فلماذا لا أكونْ؟
* * *
أتراني بين رعب وارتعاش
وأسى (الخمسين) والفقر والمكابر
وضياعي وضياع الحلم المقتول في ليل المدائن
واشتهائي أحمل الأقمار باقات ضياء وجنائنْ
أتراني؟.. غير مل يلقى ضرير من حقير
كسرةُ الخبز تولّى من أكفي وصغاري في العراءْ
ما الذي يجعل الشعر مناراً في وطنْ؟؟
كيف؟ ماذا؟ صار منفاي الوطن؟
هدموا ذاكرة البوح وحبي للحياة
هو موت- لا أبالي- بالذي يأتي
وما أخفاه البوح مني-
صار للأعمى مباحْ
فاتركيني حاملاً مصباح روحي لملاذ لا أراه
شاعراً غنى قليلاً أو كثيراً واستراحْ
* * *
قال لي العشَّارُ: (اصبر سنفيق)
وأنا تحت ركام الصبر من عهد سحيقْ
آه من كنز العقوق
والقناعات بأثل العُدْوة الجرداءِ،
والصّبار والموت الصفيقْ
واصطفاق الباب في إثري ومزاليج الطريق
وأنا أطفو قليلاً ثم أهوي كالغريق
تستغيث النطفة السمراء في الأرحام ممَّا سيكون!
والذي كان عقيماً!
والذي لم يأت أدهى!
والمواريث جنونْ!
* * *
يا يباس النسغ في الطين. يا مأوى الرقيق
أتراني أشعل القنديل في ليل دروبي
والمغارات وظلماء الشقوق
وأحيل الثلج في الشرق.. حريق!؟
* * *
ما له يَرْتَدُّ في اللحم متى اكتظّت مزارات الرّياح
ودم العرق على العرق كما يُجتاح جُرحٌ
يتهاوى جسدٌ. ينهدُّ مكسور الجناحْ
يختفي من خشب الصلب فيلقى
حاصب الرؤيا في الأبعاد..
يغدو- مستباحاً
عَلَقاً فرّغه الطّاغوتُ جيلاً يورثُ العقم لجيلٍ
والرؤى إرث مباحْ
* * *
لِمَ في عينيك ترسو
سفن الذل ويُغتالْ الذهولْ
لِمَ لا يجتاز هوة الصمت، وأشقى
بالوصول
حُبّنا ضليلاً ومهاناً وخرافي الحلول
لَمْ يعانق سدرة الله ولا أعلن رفضاً وذوى عبر الفصول
نحن- لا حربَ (ولا سلمَ- ولا موت لأنكيدو)
ولا زهو (أخيل)
نحن وهم المستحيلْ!
* * *
ها أنا عدت كما كنت طريد
دون نعل دون خبرْ
أختفي في جثث الموتى وأرتال العبيدْ
كبريائي جبهة سمراء حقدي في الوريد!
1986