سفر أيوب ( 2 ) - بدر شاكر السياب

من خلل الثلج الذي تنثّه السماء
من خلل الضباب و المطر
ألمح عينيك تشعّان بلا انتهاء
شعاع كوكب يغيب ساعة السّحر
و تقطران الدمع في سكون
كأنّ أهدابها غصون
تنطف بالندى مع الصباح في الشتاء
من خلل الدّخان و المداخن الضخام
تمجّ من مغار قابيل على الدروب و الشّجر
ذرا من النجيع و الضّرام
أسمع غيلان يناديك من الظلام
من نومه اليتيم في خرائب الضجر
سمعت كيف دق بابنا القدر
فارتعشت على ارتجاف قرعة ضلوع
ورقرت دموع
فاختلس المسافر الوداع و انحدر
**
و قبلة بين فمي و خافقي تحار
كأنها التائه في القفار
كأنها الطائر إذ خرب عشه الرياح و المطر
لم يحوها خد لغيلان و لا جبين
ووجه غيلان الذي غاب عن المطار
و أنت إذ وقفت في المدى تلوّحين
**
إقبال إن في دمي لوجهك انتظار
و في يدي دم إليك شدّة الحنين
ليتك تقبلين
من خلل الثلج الذي تنثّه السماء
من خلل الضباب و المطر .