العام السادس عشر - أحمد عبدالمعطي حجازي

العام السادس عشر
(يناير 1956)
------------------
أصدقائي !
نحن قد نغفو قليلا ،
بينما الساعة في الميدان تمضي
ثمّ نصحو .. فاذا الركب يمرّ
و إذا نحن تغيّرنا كثيرا ،
و تركنا عامنا السادس عشر
***
عامي السادس عشر
يوم فتحت على المرأة عيني
يومها .. و اصفرّ لوني
يومها .. درت بدوّامة سحر !
كان حبّي شرفة دكناء أمشي تحتها
لأراها
لم أكن أسمع منها صوتها
إنّما كانت تحيّيني يداها
كان حسبي أن تحيّيني يداها
ثمّ أمضي ، أسهر اللّيل إلى ديوان شعر
" يا فؤادي رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال .. فهوى
اسقني ، و أشرب على أطلاله
وارو عيني ، طالما الدمع روى "
كنت أهوى هؤلاء الشعراء
أرتوي من دمعهم كل مساء
اتغنّى معهم بالمستحيل
و بألوان الذبول
و بأوراق الخريف
و هي تعدو في يد الريح إلى غور مخيف
و بطير أسود في اللانهاية
راح يستفتي نواقيس الهداية
باحثا في الأرض عن دود ، و عن رب جديد !
***
كنت أهوى هؤلاء الشعراء
أتسامى فوق غيم نسجوه
أتمطّى في بخور أطلقوه
و أرى الحبّ ... شرودا ، و تهاويم ، و حزنا
و المحبّ الحقّ .. من يهوى و يفنى !
و عميق الحبّ ... حبّ لم يتم
ليقولوا .. يا للحن لم يتم !
***
و ليالي عامي السادس عشر
كان حلمي أن أظلّ اللّيل ساهر
جنب قنينة خمر
تاركا شعري مهدول الخصل
مطلقا فكري في كلّ السبل
أتلقّى الوحي من شيطان شعري
و على خدّي دمعة
و على مكتبي الصامت شمعة
ترسم الظلّ على وجهي الكئيب
و هي تذوي في اللّهيب
بينما التبغة تكوي اصبعي
و حنين غامض في أضلعي
لبحار ، يلعب القرصان فيها !
***
و لكم عذّبني وقت الغروب
لونه الجهم الخصيب
صمته ، سرب الطيور العائده
و الزروع الهاجده
و الثغاء المترامي من بعيد
لشياه راقده
و غصون التوت تمشي في الشفق
عاريات . لا ورق
و نعوش النور تمشي
و هنا كم قلت آه !
كنت أهوى أن أموت
أنتهي في عامي السادس عشر !
***
أصدقائي !
نحن قد نغفو قليلا ،
بينما في الميدان تمضي
ثمّ نصحو ، فاذا الركب يمرّ
و إذا نحن تغيّرنا كثيرا ،
و تركنا الاقبيه
و خرجنا ، نقطع الميدان في كلّ اتّجاه
حيث تسري نشوة الدفء بأكتاف العراه
و عدونا ، نحضن الأطفال في كلّ طريق
و نناغي كلّ حلوة
كسكارى ، أخذتهم بعض نشوة
و بأنشودة نصر
و بلحن مشرق النبره عانقنا الحياه
و بلغنا عامنا التاسع عشر
***
أصدقائي !
ها هي الساعة تمضي
فإذا كنتم صغارا ، فاحلفوا ألاّ تموتوا
واحذروا عامكم السادس عشر !