ميلاد الكلمات - أحمد عبدالمعطي حجازي

كلمة !
اخضرت في قلب الظلمه
وأضاءت أرواح الشعراء
كلمه !
زرعتها شفتي ذات مساء
أحببت العالم ذات مساء ، مخنوق الأضواء
لما كان الشارع ليلا ، عرشا للحراس
وعلى البعد مدافن ، كانت تطوي خطو الناس
والكلب يفتش عن لقمه ،
وأنا أبحث تحت الشرفات عن البسمه !
لم يعثر ، وأنا لم أعثر ،
فرجعنا ! نبح الكلب ، وضمّتنا الطرقات
واجهنا الجدران الجهمه
واجهنا أسوارا .. أسلاكا ،
واجهنا أشواكا ،
ورأيت أسيرا ، قسماتي ، قسماتك في وجهه
قسمات الكل ارتسمت في وجهه
ومشت أحذية الحراس ،
كمطارق تملأ إحساسي
تدفعني في قلب الظلمه
تدفعني حتى انهرت ، ركعت
تحت النجمه
قبّلت الأرض ، وتمتمت حروفا
يا أرض استمعي لحروفي
حرفا ، حرفا .. زرعت شفتي الكلمه
ورواها دمعي ، فاخضرّت حرفا ، حرفا
ورأيت البرعم يبزغ مرتجفا
كتبت أوراق البرعم ما تمتمت بأذن الأرض
كلمة (( إنسان ))!
يا للروعه!
الكلمة تنمو بالدمعه
وأخذت الكلمة جنب القلب
قربت الكلمة من شوقي ،
شوق الإنسان إلى الخضرة والحب !
ونما حرف ، عانق حرفا ،
كتب (( الجنّه !))
***
الكلمة تنمو بالدمعه
فليسحقني الألم إذا الكلمة عطشت
كي أسقيها بدل الدمعة عشر دموع
وليزرعها كل شقي مثلي ، عرف الجوع ،
وعذابات الحب الخاسر
ولتمتد جذور الكلمة نحو قرانا ،
نحو قرانا ذات الدمع الوافر
كي تورق في القلب قرانا تلك الكلمات
وليقرأها الرجل الطيب
ولتنضج ، ولتصبح رايات
تتقدم خطوات الإنسان ،
ليقيم على الأرض الجنه !
---------
سبتمبر 1957