لمن تغنّي ؟ ! - أحمد عبدالمعطي حجازي

من أجل أن تتتفجّر الأرض الحزينة بالغضب ،
و تطلّ من جوف المآذن أغنيات كاللّهب ،
و تضيء في ليل القرى ، ليل القرى كلماتنا ،
ولدت هنا كلماتنا
ولدت هنا في اللّيل يا عود الذرة
يا نجمة مسجونة في خيط ماء
يا ثدي أمّ ، لم يعد فيه لبن
يا أيّها الذي ما زال عند العاشره
لكنّ عينيه تجوّلتا كثيرا في الزمن
يا أيّها الانسان في الريف البعيد
يا من تعاشر أنفسنا بكماء لا تنطق
و تقودها ، و كلاكما يتأمّل الاشياء
و كلاكما تحت السماء ، و نخلة ، و غراب ،
و صدى نداء
يا أيّها الانسان في الريف البعيد
يا من يصمّ السمع عن كلماتنا
أدعوك أن تمشي على كلماتنا بالعين ، لو صادفتنا
كيلا تموت على الورق
أسقط عليها قطرتين من العرق ،
كيلا تموت
فالصوت إن لم يلق أذنا ، ضاع في الصمت الأفق
و مشى على آثاره صوت الغراب !
***
كلماتنا مصلوبة فوق الورق
لمّا تزل طينا ضريرا ، ليس في جنبيه روح
و أنا أريد لها الحياة ،
و أنا أريد لها الحياة على الشفاه
تمضي بها إلى شفه ، فتولد من جديد !
***
يا أيّها الانسان في الريف البعيد !
أدعوك أن تمشي على كلماتنا بالعين ، لو صادفتها ،
أن تقرأ الشوق الملحّ إلى الفرح
شوقا إلى فرح يدوم
فرح يشيع بداخل الأعماق ، يضحك في الضلوع
كي تنبت الأزهار في نفس الجميع
كي لا يحبّ الموت إنسان على هذا الوجود
***
ولدت هنا كلماتنا
لك يا تقاطيع الرجال النائمين على التراب
المائلين على دروب الشمس ، و البط المبرقش ،
و السحاب
فوراء سمرتك الحيّية يلتوي نهر الألم
و بجانب العينين طير ، ناصع الزرقه
مدّ الجناح على اصفرار كالعدم
و هفا ليرتشف الدموع
إنّي أحبّك أيّها الانسان في الريف البعيد !
و إليك جئت ، و في فمي هذا النشيد
يا من تمرّ و لا تقف
عند الذي لم يلق بالا للسكرارى و الستائر و الغرف
و أتى إليك ، إلى فضائك بالنغم
نغم تلوّعفي فؤادي قبلما غنّيت لك
فأنا الذي عالجت نفسي بالهوى ،
كي تخرج الكلمات دافئة الحروف
و أنا الذي هرولت أيامنا بلا مأوى ، بدون رغيف ،
كي تخرج الكلمات راجفة ، مروّعة بكلّ مخيف ،
و أنا ابن ريف
ودّعت أهلي وانتجعت هنا ،
لكنّ قبر أبي بقريتنا هناك ، يحفّه الصبّار
و هناك ، ما زلت لنا في الأفق دار ؟
***
أين الطريق إلى فؤادك أيّها المنفيّ في صمت الحقول
لو أنّني ناي بكفّك تحت صفصافه !
أوراقها في الأفق مروحة ،
خضراء هفهافه
لأخذت سمعك لحظة في هذه الخلوه ،
و تلوت في هذا السكون الشاعري حكاية الدنيا ،
و معارك الانسان ، و الأحزان في الدنيا
ونفضت كلّ النار ، كلّ النار في نفسك
و صنعت من نغمي كلاما واضحا كالشمس
عن حقلنا المفروش للأقدام ،
و متى نقيم العرس ؟
و نودّع الآلام !
------
( أغسطس 1957)